بين العبثية الهادمة والفكرية البانية
بين العبثية الهادمة والفكرية البانية
روعة يونس
[مدارك ثقافية]: كتبت الإعلامية والقاصّة الشاعرة روعة يونس في صفحتها على الفيسبوك، هذا المنشور الهام جداً من وجهة نظرنا، لأنه يحاكي غفلة عن أهمية العلاقة بين الأصدقاء وأبعادها النفسية والاجتماعية، في تعاطيهم مع منشوراتهم ـ نشراً وتفاعلاً ـ ومضامين هذه المنشورات. ولا نتوانى عن نشرها حرفياً لإدراكنا بأهداف الأستاذة روعة ورؤيتها الأدبية في تسمية الأشياء بأسمائها علّ من يقرأ يستلهم الأغراض والغايات حين يكون الشاهد ظاهراً بالاسم والعين وليس مغموراً بالضمير المجهول، وهنا تكمن أهمية مواجهة المرض وتنبيه العقل إلى كيفية العلاج من بعض المظاهر غير العاقلة، والتي قد تسوق الإنسان إلى الانغماس فيها دون وعي منه لمخاطرها.
إن الأهمية في هذا الموضوع ما أنتهت إليه سطور الكاتبة من ضرورة الوعي لما نتواصل به ونحيل مادته من عبثية هادمة إلى بنائية فكرية ونفسية تصقل من جهة وعي الطفل بخاصة، ومن جهة ثانية تطرح برنامجاً تثقيفياً يرتقي بالمجتمع عموماً ليكون مجتمعاً يرسم أبعاد وخطوط تطوره من خلال وضع لَبِناتٍ صلبة يقوم عليها مستقبله.
وقبل أن أترك متابعة القراءة لسطور الكاتبة، أود أن أحييها وأشكرها على هذه الالتفاتة الراقية في التوجيه والتربية.
وهذا ما كتبته الأستاذة روعة بقلمها حرفياً:
تنتشر في الفيسبوك فيديوهات لأطفال، يفرح أهلهم بتسجيلها ونشرها لهم في صفحاتهم، وتتناقل بين الصفحات وتحصد المرح والضحك والتسلية. وأنه “وااااو شو مهضومين ولذيذين”. بينما في حقيقة الأمر معظم الفيديوهات مثلاًً: طفل يشجعه والده أن يشتم طفل آخر “XX أمك… يا شرموXX” ولايكات الإعجاب والوجوه الضاحكة بالآلاف. أو فيديو لطفلتين تشدان شعر بعضهما وتتقاذفان بنعال الحذاء، وفي الخلفية ضحك هيستيري. والأنكى تعليقات الجماهير الغفيرة الفرحانة. أو فيديو لطفل لا يبدو أنه دخل المدرسة بعد “يصرخ بأمه مفتشاً صور موبايلها محققاً معها: وليك هاد مين يا كلبة! وهاي صورة مين يا عيبو. وهاد المطرب الحكير شو بيعمل بموبايلك” وأمه تصوّره وفرطانة ضحك؟ أو فيديو لطفلة تبهدل أمها لماذا تريد وضع مكياج، وانه عيب تطلع ووجهها عليه مساحيق زينة. وأمها مستمتعة بالهراء وتستزيدها!
يعني مجموعة فيديوهات تنتشر في الفيسبوك، ولا تعكس فقط التخلّف والجهل والرجعية. بل أيضاً انعدام الأخلاق والإنسانية والتربية والوعي والذوق والمحبة لدى الناس، سواء كانوا أهل صوّروا أطفالهم على هذا النحو المسلّي في ظاهره- المشين في جوهره. أو كانوا جمهور متابع يشاهد ويضحك دون أن يضرب كفاً بكف ويردد “لا حول ولا قوة إلاّ بالله”.
وبمنطلق معاكس تماماً سأشير هنا (على سبيل المثال لا الحصر) إلى نموذج رائع لوالدين عظيمين كرسا حياتهما لتربية طفلتهما تربية “عُليا” لا مثالية فقط. هما صديقي الحبيب George Sawaya وصديقتي الحبيبة May Aboul Hosn (للأسف صفحتها غير متاحة للجميع) ينشران في صفحتيهما -كل أسبوع أو شهر- فيديوهات لطفلتهما الصغيرة بترا. توضح مجموعة هواياتها في مجالات الموسيقى والباليه والرياضة واللغة والمعلومات. حتى صورها في الأسفار والرحلات قبالة التماثيل والحدائق والمتاحف والنصب التذكارية والمعارض.. وكذلك أزياء بترا في أعياد ميلادها والحفلات التنكرية؛ المستلهمة من حضارات الشعوب. كل ذلك لتنمية معلوماتها وتكريس هذه الأماكن والحضارات والأخلاق الإنسانية في ذاكرة طفلة لم تتجاوز الثمانية أعوام من عمرها. مع ملاحظة أن تسجيلاتها المرحة الضاحكة ليست مجانية لمجرد الضحك بل تنم عن ذكاء وحسن تربية وتوجيه حر منفتح لا يقيّد الطفلة، ويؤكد احترامها لوالديها ولكل إنسان في كل مكان.
أجيالنا بحاجة لأن تنتشر بينهم “فيديوهات” تؤكد الإنسانية والأخلاق والثقافة والإيجابية. لا التخلف والرجعية، والجحشنة “كلمتي المفضلة”.