يصرخ قلبي حين أقرأ
عندما أقرأ، فقط أقرأ
يصرخ قلبي حين أقرأ
غادة كنفاني

أجلس على كرسي مريح أمام شاشة حاسوبي، مع فنجان قهوة ساخن في الصباح، ومشروب مثلج بعد الظهر، وفنجان زهورات ساخن في المساء. لكن ما يجري لي دائما هو نفسه بغض النظر عن الأوقات.
حياتي الميسورة تبعد ملايين الدرجات عن اولئك الذين أقرأ عنهم. كما أنني بعيدة آلاف الأميال عنهم. ولم أعاني حدة ما عانوه، ولا يزالون.
ولكن. أشعر بهم في جسدي. أشعر آلامهم، دمارهم، ذهولهم، يأسهم. ومثلهم، أقف وحيدة في مواجهة عوامل تعصى عن الوصف.
نتأت عيناي، نتوءاً متجمداً ومذعوراً لم أستطع إذابته أوالتخفيف من حدته. لا أذكر الآن لِمَ، وما الذي أودى بهما لتنتؤا بهذا الشكل، وكأنهما تنظران إلى رعب مجهول؟ هل كان السبب ألم بأعلى درجاته أم أنني كنت أصرخ مندهشا، لماذا؟
تقلصت ذراعي وصدري من الألم الذي لاك لحمي، في البداية ظننت أنه يريد أن يلعب معي وبألعابي. لم أدر لماذا كانت أمي تصرخ، “أوقفوه، إجعلوه يتوقف.” ثم صرت أردد، “كفى حبيبي، كفى.” أنا أخرس، ولكن الكلب الذي آلمني إلى اقصى درجات الألم تسبب في قدرتي على النطق. رددت ما كانت أمي تقول لتواسيني. ثم إرتاح جسدي حين توقف قلبي عن النبض، ونزفت دمي وحياتي.
إلتهبت أجزاء جسدي الخاصة ونزفت دما، لم أعد قادرة على التفريق بين قضيب ساخن أو… كلب. لم أكن لأعرف أذا كان صراخي نابع من حلقي، قلبي، معدتي أومؤخرتي.
فقدت رسغي القدرة على الحركة، إنشلت أصابعي، مسحت قدماي الحصى، تهشمت عظامي تحت جزم الجنود وأعقاب بنادقهم، إنقلبت معدتي حين ملأ البول فمي، …. هل أزيد القول؟
نزفت قدماي عندما كنت أتراكض كدجاجة ذبيحة، وقعت وملأ فمي الحطام والغبار. لحسن الحظ لم أكن أحمل طفلي، لقد كان مع والده. ثم لم أعد قادرة على أن جدهم، لم يقدر أحد على ذلك رغم أن الناس حفروا حتى ساعات الليل الأخيرة. الأجساد، كما الجسدين اللذين بحثت عنهما، إنطمرت تحت الردم أوطارت معه. تمنيت لو أنني قضيت حاجتي وأنا بقربهم فقد كان ذلك أفضل لنا جميعا.
أمسك بيدي أحبابي أو بأي جزء من أجسادهم أتمكن من الوصول إليه من داخل الكفن، أمسك ببلاطة باردة وأحيانا أحضن الجسد المكفن كله، “ماذا لوإتصلت روحي بروحهم وبعثت فيهم الحياة؟” واهنة أقول للمنقذين. هل لهم أن يعودوا الى الحياة؟
قتلت برصاصة عندما كنت أهرع الى ملجأ. بقيت على قيد الحياة عندما كنت أهرع الى ملجأ. في كلا الحالتين مت، مرة من الرصاصة ومرة أخرى لأنني بقيت على قيد الحياة رغم أنني لا أعلم الى متى، كل ما أنا متأكدة منه هوأنني قريبا جدا سأتخلص من الشعور بالذنب ومن الحياة.
صرختي، “لا أستطيع أن أتنفس” وصلت أرجاء المعمورة، وربما وصلت الى السماء السابعة، ولكني ولكننا لانزال نختنق من الغازات السامة.
ماذا أقول عن الجوع والعطش؟
حلقي ولساني قطعتي خشب تصقلان بالورق المرمل، بدون توقف.
طعنة ملتهبة في معدتي، تستقر الى الأبد.
لم يحدث أي شيء من هذا لجسدي، حدث لأجساد تبعد آلاف الأميال عني وحدثت لروحي، ومن روحي نزفت الى جسدي. أشعر بأجسادهم وأرواحهم، أعيشهم: دوامة من ألم لا نهاية له، خراب، ذهول، يأس.
لا تطلب الرحمة للأموات، لم يُرحموا حين كانوا أحياء.
لا تطلب الرحمة للأحياء، كان يجب أن يُرحموا بدون السؤال.
وإن كان لابد، إسأل ذاك السؤال القديم، “أبتي، لم تخليت عني؟”