موضوعات عامة

تحية إلى حمير بلادي

يوم عالمي للحمير

إنه ليس بالغباء الذي يشاع عنه

د. جورج الراسي

[1]

تحية إلى حمير بلادي

لم بخطر ببالي قبل اليوم أن هناك »يوماً عالمياً للحمير« يتوافق مع ذكرى الإنتصار على النازية في 8 أيار/ مايو من كل عام. فقد كنت دائم التحسّر على هذا الكائن المسكين الذي يعاني الأمرّين من ظُلم بني آدم دون أن يكون لديه سبيل للشكوى.

لقد رافق وجودنا فوق هذه الأرض منذ آلاف السنين – أربعة أوخمسة آلاف – وبخاصة في بلاد الرافدين أيام الحضارة الأشورية، وفي وادي النيل منذ عصور الفراعنة..

وتذكرت أن العرب أيام الجاهلية كانوا يطلقون على بعضهم البعض أسماء الحيوانات لِما كانوا يتمتعون به من بعد نظر: أسد – نمر – نمير – كلب – كليب – جحش…الخ…حتى أن إحدى زوجات الرسول الكريم كانت تدعى : »زينب بنت جحش«.

ويحكى أن بدوياً مفوهاً مدح أميره بقوله : »أنت كالكلب في الوفاء، وكالتيس في قراع الخطوب«.. وقد اعتبر الأمير هذا الكلام من باب التقريظ

وبالرغم من تلك الصداقة الضاربة في أعماق التاريخ، فقد كان من الصعب على العرب تحمل النهيق، أو أكل لحم الحمير، حتى قال فيه أمير الشعراء أحمد شوقي أبياته الشهيرة :

سَقَطَ الحِمارُ مِنَ السَفينَةِ في الدُجى

فَبَكى الرِفــاقُ لِفَقــدِهِ وَتَـرَحَّمـــــوا

حَتّــى إِذا طَلَــعَ النَهــارُ أَتَت بِــــهِ

نَحــوَ السَفينَـــةِ مَوجَــةٌ تَتَقَــــــــدَمُ

قـالَت خُــذوهُ كَمـــا أَتـانـي سالِمــاً

لَــــم أَبــتَــلِعــهُ لِأَنَّــهُ لا يُـهــضَـــمُ

 لكنه لم يكن في أي وقت للأكل، بل رافق الأديان السماوية في كل مراحلها. على ظهره دخل عمر بن الخطاب بيت المقدس عندما استلم مفاتيح القدس من »صفرونيوس«… وعلى ظهره دخل السيد المسيح إلى أورشليم فيم عرف بيوم »الشعنينة« الذي يُحتفل به كل عام بحمل الشموع وسعف النخيل ويُعتبر عيدا للأطفال .. وعلى ظهره لجأت العائلة المقدسة من فلسطين إلى مصر … وهواليوم شعار الحزب الديموقراطي الأميركي… ولو أن هذا الحزب لم يأخذ من الحمار أفضل ما عنده….

ومن يعيشون في الأرياف يعرفون أنه ليس بالغباء الذي يشاع عنه. فهويعرف طرق الضيعة وحقولها وبيوتها عن ظهر قلب.. ويعرف مقدار الشعير الذي ينتظره بعد كل جولة… لكن عيبه الوحيد هوعناده الذي لا يتزحزح إذا اقتنع بشيء مّا… فعندما »يحرن ويحرد« لا تعود تؤثر فيه السياط… لذلك قيل: عنيد كالتيس…!

مصر.. أم الدنيا وأم الحمير

أول جمعية »وطنية« للحمير تأسست في مصر عام 1930 بمبادرة من الفنان زكي طليمات واتخذت بكل بساطة أسم »جمعية الحمير«… ورغم ظاهرها الإنساني والحيواني فقد كانت تخفي أبعاداً سياسية..!

في ذلك الوقت أوعز الإنكليز للملك فؤاد بإغلاق »معهد الفنون المسرحية« الذي أنشأه طليمات، بعد أن قرر هذا الأخير تأسيس مسرح مصري أصيل نصاً وروحاً بدل الاعتماد على الترجمة واقتباس الأعمال الأجنبية. ذلك أن الإنكليز بخبثهم المعهود خافوا من نشوء مسرح وطني يتصدى لاحتلالهم ويسعى إلى توعية الشعب، وبث روح الثورة فيه… (لم يُعَد افتتاح المعهد إلا في عام 2004).

في تلك الظروف قرر طليمات تأسيس »جمعية الحمير« معتبراً الحمار مثالاً للصبر وتحمل الظلم والتحامل على النفس بانتظار الفرج … واتخذت الجمعية منحى إنسانياً تمثل بإعالة الفقراء ومد يد العون لهم، ومنحى حيوانياً انصب أساساً على العناية بالحمار والتنبه لحاجاته ومتطلبات الحياة الكريمة له ولمن يحيط به من »جحاش«

أول من تميز من أعضاء هذه الجمعية كان توفيق الحكيم، الذي كتب  »حماري قال لي«، و»أنا وعصاي وحماري«.. ويعتبر حواره مع حماره من عيون الأدب. فقد شكى الحمار إلى الحكيم قسوة البرد وهوعاري الظهر، فرد عليه الحكيم قائلا:

ــــ »أنت تشعر بالبرد ليس لأنه لا تملك ردعة كما تعلن، ولكن لأن قلبك لم يعرف بعد حرارة الأيمان ومحبة الناس«..

فصرخ الحمار – أوعلى الأحرى نهق – مغتاظاً،  ورد على الحكيم بعنجهية قائلا: »لقد اشبعتني بالكلمات التي لا تجيد سواها . إذا اتيتك أشكو من جوع، أطعمتني بالكلمات . وإذا شكوت من البرد، كسوتني بالكلمات، ألم تدرك بعد أن صناعة الكلمات هذه لم تعد تسمن اوتغني عن جوع«..!

ولم يكن الحكيم العضوالوحيد المتميز في تلك الجمعية، بل ضمت كذلك عميد الأدب العربي طه حسين،  والفنانة النشيطة ناديا لطفي، والسيد بدير، وأحمد رجب، ووزير الصحة الأسبق محمود محفوظ…. ووصل عدد أعضائها إلى ثلاثين ألفاً، توزعوا على رتب ودرجات تتراوح بين »الجحش« و»الحمار الصغير« و»الكبير« و»الأكبر«… وحمل زكي طليمات لقب »المؤسس … صاحب الحدود والبردعة«

وافتتحت الجمعية فروعاً لها في فرنسا وأميركا وسوريا، وحمل المهاجرون الأوائل مبادئها إلى شتى أرجاء المعمورة… لكنها أضطرت إلى التوقف عام 1993 بسبب رفض وزارة الشؤون الاجتماعية تجديد الترخيص لها تحت نفس الإسم، واشترطت تغييره إلى »جمعية الدفاع عن الحيوان «..

والخطر الأكبر الذي يتهدد حمير مصر هو الطلب المتزايد لطلبات الاستيراد نظراً لانطباق المواصفات عليه،  من طرف دول جنوب شرقي آسيا وبخاصة ماليزيا. ومن الممارسات المنافية »للإنسانية« إجراء عمليات الخَصي التي مورست عليها في بعض أسواق الحمير الرئيسية في محافظتي القليوبية والمنوفيه وذلك للحفاظ على أسعارها، علماً أن عدد الحمير في مصر كان يصل إلى نحوتلاته ملايين حمار

ويفوق سعر الحمار اليوم سعر الدراجة النارية

وشهدت القاهرة عام 2013 عودة العز للنهيق بعد آخر شهقات »الربيع العربي«، إذ احتفلت »قافلة الفنون« في تلك السنة بالحمير برعاية كنيسة سان جون التاريخية في حي المعادي جنوب القاهرة… وتم اختيار الحمار في تلك السنة، على اعتبار أنه يرمز للسلام في الديانتين المسيحية والإسلامية، وورد ذكره في الإنجيل والقرآن….

في كردستان العراق: الحمار »عنده من نفسه«..!

رغم المعايشة الطويلة مع الحمير في مصر، إلا أن التجربة الأكثر ثورية جرت في كردستان العراق منذ أكثر من نصف قرن .

ففي نهاية سبعينيات القرن الماضي أسس عمر كلول »جمعية الدفاع عن حقوق الحمير«، لكنه لم ينل الترخيص الرسمي من حكومة الإقليم إلا في عام 2005، وكان هدف الجمعية ترسيخ ثقافة احترام هذا الحيوان »الصبور« بعد كل ما مرّ على بلاد الرافدين من عجائب ونكبات

ويرى الأمين العام للحزب ان »الحمير كانوا أفضل حلفاء الشعب الكردي، إذ ساعدوه بشكل كبير في عبور أعلى القمم لنقل المؤن والأسلحة في أصعب الظروف«.. ووصل عدد أعضاء الحزب، في أوج صعوده، إلى أكثر من 10 آلاف عضو، أي أكثر من عدد أعضاء الكثير من الأحزاب »الطليعية «..

وتميز الحزب الكردستاني بمروحة واسعة من الرتب والمناصب.. فالعضوينادي رفيقه بعبارة »يا حمار« بكل بساطة … ولكن هنالك أيضا »الرفس« و»الجحش« وهي صفة تطلق على العضوالجديد المنتسب إلى صفوف الحزب، والذي يطالب ب »رفسة كبيرة«.. ولا يطلق عليه لقب »حمار« إلا بعد الترقية … وتتوزع المناصب بين »حمار كبير«، و»صاحب الحدوة«، و»صاحب البردعة«، و»الحمار الأكبر«..

أما المكتب السياسي فيعرف ب »الخان«، والفروع الحزبية ب »الإسطبل«، والفرق الحزبية ب »المعالف«… ولكي يستكمل الحزب أجهزته الدعائية والإعلامية طالب بتأسيس إذاعة تحمل اسم »النهيق – زرين«… وهولن يجد أيّة صعوبة في ملء برامجه بالأصوات والمواهب المستجدة على الساحة

وتجلت هوية الحزب بتمثال »الحمار الأنيق« الذي كلف الفنان الكردي زيرك ميرا بنحته من البرونز، والبسه بدلة وقميصا مع ربطة عنق، بارتفاع بلغ خمسة أقدام، وتم نصبه في شارع نالي بالسليمانية….

لكن إهانات الناس المعتادة على نوع آخر من الحمير أضطرت الحزب آلى حل نفسه

المغرب يعترف بجمال الحمير

 أمّا في المغرب فإن الأولوية هي للجمال. وقد دخلت الأتان (سيدة الحمير) التي أطلق عليها اسم »كليوباترا« – قبل أن يعرف ما إذا كانت المحروسة سوداء أم بيضاء – مسابقة الجَمال بعد أن توجت بأكاليل الزهور الحمراء، وفازت بالأولوية في السباق السنوي الذي ينظمه كل عام الشاعر والإعلامي المغربي محمد بلمو،  في القرية الجبلية »بني عمار" الواقعة في ضواحي مدينة مكناس .

وكانت تلك المرة الأولى التي تشارك فيها أكثر من أتان في المسابقة حيث تعد تربية أنثى الحمار »أمراً معيباً« في تقاليد سكان القرية، ولم تظهر سوى أتان واحدة طيلة دورات المهرجان السابقة.

ولكن إدارة المهرجان أرادت تغيير هذه الثقافة وأقنعه الجمهور ب »المساواة« بين الحمير من الجنسين… ولو إن هذا لم يتحقق لبني البشر

 ولا يقل امازيغ المغرب ولعاً بالحمار ويعتبرون »صاحب الحمار الذهبي« أول رواية عالمية… ويسمون الحمار باللغة الريفية: ayyul  والجحش: azzug

الوعي السياسي عند حمير لبنان

لم يقصِّر بعض اللبنانيين الواعين بالاهتمام بالحمير… فقد أسس المخرج المسرحي علي الزين »جمعية الحمير في لبنان« بهدف نشر الوعي بين اللبنانيين الذين طال سكوتهم على الهدر والسرقة العلنية لأموالهم وحقوقهم. فيرى علي أن هذا الشعب تفوق على الحمار في صبره وقدرته على تحمل »زعلانه« الذين يسرقونه ويعاملونه بكل أساليب الخداع وهولا يحرك ساكنا، بل يعود وينتخبهم مرة بعد مرة

ولهذه الجمعية أيضا تراتبية بين الأعضاء .

فالمبتدئ في هذه الجمعية يحصل على لقب »حمار كبير«، ويتدرج في الرتب ليحصل على لقب »جحوش«، أي(حمار صغير)، وتكون قمة الرتب أن يحصل العضوعلى رتبة »أنسون« أي (إنسان صغير، أومشروع إنسان)… وتكون معمودية هذا »الأنسون« ليصبح إنساناً فعلياً… عندما يبدأ يغضب وينظم غضبه في سبيل الحرية

حمار الجزائر… دخل الجامعة

أعلى مرتبة علمية حصل عليها الحمار كانت في الجزائر. فقد ناقشت الطالبة المجتهدة (طريف هاجر) أطروحة الدكتوراه التي أعدتها تحت عنوان »أشكال التمثيل السردي لصورة الحمار في الرواية الجزائرية«،  ذلك في صبيحة يوم 27 – 10 – 2022، في جامعة محمد أمين دباغين – تخصص أدب جزائري – وكانت اللجنة الفاحصة مكونة من ستة أساتذة جامعيين

(ولا أشك أن الدكتورة  طريف قد أصبحت دكتورة وأنها ستنال نفس اللقب لو قدمت الأطروحة أمام أي لجنة فاحصة عربية)  

[2]

التوازن النفسي للحمير

يخطئ من يظن أن الحمار »يطنش« على كل ما يدور حوله، بل هوأكثر فطنة مما تظنون، ولا تفوته شاردة ولا واردة، إلا أنه لا يفتعل مشكلة لا ضرورة لها طالما أن شِوال الشَّعير بإنتظاره..

بريجيت باردووأول حمار

 من الصدف العجيبة أن اليوم العالمي للحمير تصادف هذا العام مع مسلسل بثه التلفزيون الفرنسي حول حياة وتراث بريجيت باردو(Brigitte Bardot) بإعتبارها الأنثى النموذجية التي خلقها الله تيمنا بأشهر أفلامها (وخلق الله المرأة Et Dieu créa la femme). ذلك أنها كانت رائدة في الدفاع عن حقوق الحيوانات عندما لم يكن هذا الأمر يحظى بأي اهتمام يذكر.

والطريف أن اهتمامها بالحيوانات بدأ بقصة لها مع فرس محظوظة ــ لا أقصد ( Alain Delon  آلان ديلون) بالطبع ــ ، بل فرس كاملة المواصفات جاءت بها لتعيش بقربها في المزرعة التي اقتنتها في بلدة ( Saint Tropezسان تروبيه) بعد أن اعتزلت الفن،  وعجز العطار عن إصلاح ما أفسده الدهر.. وعاشت تلك الفرس حياة ملوكية يحسدها عليها كل سكان الأمة العربية، حتى لا نذكر أمما أخرى كثيرة.. فمن الشعير الفاخر – باب أول – إلى العناية الطبية التي لا غش فيها ولا إفتراء، إلى الحمّام اليومي بماء دافئة حيث أن كثيراً من بني آدم لا يلقون ماء صالحة للشرب، وصولاً إلى كل متع الحياة الحيوانية الحرة الطليقة.. ما عدا واحدة، هي بالمناسبة، الأكثر أهمية.. ذلك أن فرس (بريجيت Brigitte) كانت تشعر بالوحدة التي لا يمكن لسيدتها ان تعوّضها عنها مهما منحها ربها من مؤهلات ومواهب.. ولكي تداري ما كان ينقصها من عطف وحنان، وقع نظر الفرس على حمار يملكه أحد الجيران، ويعاني الأمريّن من بطش صاحبه الذي لا يتوانى عن ضربه وتحميله أثقل الأحمال.. فما كان من الفرس، في ليلة ما فيها ضوء قمر، إلا أن قفزت فوق الحواجز التي تفصل بين الجارين، وراحت تطيب خاطر الحمار، ووصل الأمر – والعهدة على الراوي – إلى حدود الإغتصاب لإطفاء لهيب العاشقين.. هذه هي بالتحديد التهمة التي وجهت الى الرئيس الأميركي الأسبق (وربما اللاحق…) دونالد ترامب، وحكم عليه بدفع خمسة ملايين دولار إلى المجني عليها، رغم تبرأته من تهمة لم يكن ليمانع بإرتكابها

صاحب الحمار شعر أنه تم المس بشرفه – فكرامة الحمار من كرامته – في حين اعتبرت بريجيت  Bardotأن المسؤولية تقع أولاً وأخيراً على الحمار – والأصح أنها حمارة قامت »بتبديل« عيونها أمام الفرس لإجتذابها.. وهي تعرف عن ماذا تتكلم..

ربحت بريجيت Brigitte الدعوى…. ودفع الجار غرامة..!

هذه الحادثة الواقعية تؤكدها حادثة أخرى جرت هذه المرة في حديقة »بوزنان« للحيوانات غرب بولندا، حيث اشتكت إحدى السيدات من رؤية ثنائي من الحمير يتزاوجان بحرية في وضح النهار قرب أحد الملاعب أمام سمع ونظر الأولاد.. فما كان من إدارة الحديقة إلا أن أقامت سياجا للفصل بين الثنائي نابليون« و»انطونينا« رغم أن علاقتهما ترقى إلى عشر سنوات، ولديهما ستة صغار، كان أصغرها ما يزال يعيش معهما في الحظيرة..!

دخل الأطباء البياطرة والخبراء على الخط، وتحدثوا عن الآثار السلبية لكبت الرغبة الجنسية على »التوازن النفسي للحمير« وبخاصة الذكور.. وأطلقت عريضة على الإنترنت وقعها آلاف الأشخاص، دعما لحق الثنائي في التزاوج.. إلى أن عادت إدارة الحديقة عن قرارها ..!

الصين : من طريق الحرير.. إلى طريق الحمير

الخطر الأكبر على مستقبل الحمير يأتي اليوم من الصين. فنحن نشهد منذ فترة هجمة صينية على جلود الحمير لإستخدامها في الطب الشعبي التقليدي، إذ يلجأ الصينيون إلى استخراج مادة »الجيلاتين« الموجودة في جلد الحمير ويعتبرونها شراباً ناجعاً يشفي من أمراض كثيرة مثل ضعف الشهية وفقر الدم والأرق، وصولاً إلى عوارض سن اليأس..

كما يستخدم الصينيون جلود الحمير لتحضير علاجات تقليدية تنسب إليها منافع مرتبطة بتحسين الدورة الدموية، وتأخير الشيخوخة، وتعزيز الرغبة الجنسية والخصوبة ..

فبعدما كان هذا المنتج حكراً على الأباطرة، بات متاحاً لأفراد الطبقة الوسطى..

وفي بعض مناطق شمال الصين لا يكتفي السكان بالجلد بل يستهلكون لحم الحمير. وقد أدى هذا إلى إرتفاع جنوني في أسعار جلد الحمير حتى بلغ ثمن الكيلوغرام نحو800 دولار .

وتقول إحصائيات رسمية إن الصين استهلكت خلال سنوات قليلة، نصف عدد حميرها.. فلا غلو في أن تنفتح شهيتها على حميرنا.. وحمير جيراننا الأفارقة..

ومن يتابعون مسار »طريق الحرير« يلاحظون دون شك التوقف المشبوه للخبراء الصينيين في الأماكن التي توفر ممرا »لطريق الحمير«..!

إفريقيا الضحية

مرة أخرى إفريقيا هي الضحية. استعمروها بالأمس من أجل ما تكتنزه أرضها من معادن وخيرات. ويستعمرونها اليوم طمعاً بحميرها، بخاصة وأن الحمار لا يشكل أولوية بالنسبة للأفارقة، ولا يحظى بالاهتمام الذي تحظى به تربية المواشي والأبقار، لكن سكان المناطق النائية شعروا بأن أعداد الحمير في تناقص مستمر، ذلك أنها تشكل ثروة بالنسبة إليهم كونهم يعتمدون عليها لنقل المياه إلى قراهم، ولجلب منتوجاتهم الزراعية والحرفية إلى المدن..

وكما حدث لوحيد القرن والفيلة على أيدي مافيات مواد »الآفروديزياك« والعاج، يحدث اليوم للحمير، مما حدا بجنوب إفريقيا مثلاً إلى تشكيل فرقة خاصة من الشرطة لمكافحة تجارة الحمير، ومما دفع مالي والسنغال إلى حظر هذه التجارة..

لكن كينيا لم تتنبه بعد إلى هذا الخطر، إذ أجازت لرجال أعمال صينيين إنشاء أربعة مسالخ للحمير دون الإنتباه إلى أن هذا الحيوان مهدد بالانقراض كون أنثاه لا تنجب إلا مرة واحدة في السنة، وسيكون وليدها برسم الذبح وليس التكاثر.. لكنها أخذت تتنبه أخيراً إلى ازدياد سرقات الحمير لبيعها.. واعطت مهلة أربعة أشهر لمسالخ الحمير لإنهاء انشطتها..

من الواضح أنها لم تتنبه بعد إلى حوافز التكاثر في ربوعنا..

لكن دولا أخرى في إفريقيا ما زالت تدافع عن  »نخبوية« الحمار مثل بوروندي التي احتجت رسميا على إهداء الحكومة الفرنسية قطيعاً من الحمير لقرويين بورنديين في بلدة »حيفا« – شرق العاصمة – إذ اعتبر وزير الزراعة البوروندي هذا الإهداء »آذلالا للأمة البوروندية«، ذلك أن الحمار ليس من مواشي بوروندي الأصلية، كما أنه يرمز في الثقافة الفرنسية إلى الجهل والخزي..

الإهانة الهندية: الحمير أكثر إخلاصاً من النساء..!

لكن الهند، التي تقدس البقر، ذهبت بعيداً في تعاطيها مع ملف الحمير.. فقد جاء في أحد الكتب المستخدمة في مدارس ولاية  »راجاستان« غرب الهند أن الزوجات والحمير يتشابهون في أشياء كثيرة  ولكن الحمير رفاق أفضل من النساء، كما أنها أقل شكوى واكثر إخلاصاً منهنّ..!

وجاء في الكتاب : »الحمار كالزوجة ولكن في الحقيقة فإن الحمار أفضل لأنه بينما تشتكي الزوجة، وفي بعض الأحيان تعود إلى منزل والديها عندما تغضب، فإن الحمار مخلص دائماً لصاحبه«..

هذا الكتاب الذي يُدَرّس للطلاب في سن 14 عاماً، حصل على موافقة الولاية التي يتزعمها حزب »بهاراتيا جاناتا القومي«، مما أثار غضب الجناح النسائي في الحزب..

الحمار »المتوسطي«.. معزز .. مكرّم

لا شك أن الحمار المتوسطي يحظى بتقدير أكبر وبخاصة الحمار القبرصي، ولو انه مشهور بعناده، وهي الصفة التي يعتز بها..

وقد قامت منظمة »أصدقاء الحمير« القبرصية بإحصاء عدد الحمير »اليونان« فتبين لها أن عددهم هوبحدود 2200 حمار ما بين »حمار عامل« و»حمار متقاعد«،  مع العلم أن لا خلافات على سن تقاعدهم كما هو حال ال بني آدمين في فرنسا مثلا.

وقد سارعت السلطات آلى إحصائهم بعد أن لاحظت تقلص أعدادهم بشكل مخيف، ولم يتم حتى الآن الربط بين هذه الظاهرة وبين بعض العقود الموقعة مع الجانب الصيني..

 مع العلم أنه يتم استخدامهم لأغراض تجارية وسياحية، وتقدم لهم رعاية صحية بالتعاون مع »البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة« وبخاصة فيما يتعلق بعلاج الأقدام والأسنان..

وسجل أكبر عدد من الحمير في مدينة بافوس الساحلية وضواحيها ( 897 حماراً)، ثم في ليماسول (745 حماراً)، ثم نيقوسيا العاصمة (225 حماراً) . ويوجد في كل من لارناكا وفاماغوستا 150 حماراً فقط..

أما في جزيرة سانتوريني اليونانية فقد فرضت السلطات إجراءات لحماية الحمير المستخدمة في نقل السياح، مع فرض بقائها في الظل أثناء وقت الراحة، وسقايتها بشكل أفضل، إضافة آلى »تحديد وقت عملها«، ومعاقبة كل من يسيىء إليها أو يعاملها بشكل غير لائق..!

عربياً، وحده الفنان الفلسطيني أشرف فواخري حول الحمار إلى شخصية ثقافية، وهومن أبناء بلدة »البصة« المهجرة – قضاء عكا – داخل أراضي 48 – ومقيم في حيفا حيث يهيمن موتيف الحمار على كل أعماله، ويعبر بواسطته عن رؤيته وسخريته السوداء تجاه مخازي الإحتلال..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
RocketplayRocketplay casinoCasibom GirişJojobet GirişCasibom Giriş GüncelCasibom Giriş AdresiCandySpinzDafabet AppJeetwinRedbet SverigeViggoslotsCrazyBuzzer casinoCasibomJettbetKmsauto DownloadKmspico ActivatorSweet BonanzaCrazy TimeCrazy Time AppPlinko AppSugar rush