الجمعة 29 مارس, 2024

إضاءة شاملة على تاريخ اليوم العالمي للمرأة

المغربية فاطمة الفِهرية أسست أقدم جامعة في العالم

إضاءة شاملة على تاريخ اليوم العالمي للمرأة

مدريد – د. محمّد م. خطّابي

jame3a-1إحتفل العالم في الثامن من آذار الجاري بعيد المرأة، أو يومها العالمي، وكان الأسم الأوّل الذي إختير لتخليد هذه الذكرى هو اليوم العالمي للمرأة العاملة قبل أن يُعتمَد بصفة رسمية في 8 آذار من عام 1975 في أروقة الأمم المتحدة، التي دعت الدّول الأعضاء فيها إلى الإحتفال به في هذا اليوم. ومن ثمّ أصبحت النساء يحتفلن كلّ عام، إحياءً لمبادرة الأمم المتحدة كخطوة جبّارة لإقرار مساواة تامّة، ومُنصفة، بين الجنسيْن، ورفع الوعي السّياسيّ والاجتماعيّ في شؤون المرأة وقضاياها، ومكتسباتها، واخفاقاتها، وتسليط الأضواء الكاشفة على المشاكل، والمشاغل، والصّعاب التي ما زالت تعاني منها إلى يومنا هذا في مختلف أنحاء المعمور.

وما زالت المجموعات النسائية في مختلف أرجاء العالم تُحيي، وتحتفي بالفعل بهذا اليوم، ويشاركها الرّجال في هذا الإحتفال بتنظيم مختلف التظاهرات، والملتقيات، والأنشطة في مختلف المجالات الإجتماعيّة، والسياسية، والثقافية، والفنية، والعلمية والتاريخية وسواها. وتشارك الأمم المتحدة المرأة كذلك في الإحتفال بهذا اليوم، والتي جعلت بلداناً عديدة تقرّره يومَ عيدٍ وطني. حيث تسارع النساء في جميع القارات للإحتفال بيومهنّ العالمي على الرّغم من الحدود الوطنية، والفروق العِرقية، واللغوية، والثقافية، والاقتصادية، والسياسية، التي تفصل بينهنّ، حيث يعملن على استعراض تاريخ النضال المرير الذي خاضته المرأة من دون هوادة من أجل تحقيق المساواة، والعدل، والسلام، والتنمية على امتداد عقود عديدة خلت.

مغزى يوم المرأة العالمي

ويوم المرأة العالمي هو في الواقع تتويج لقضيّة المرأة المناضلة صانعة التاريخ، وتعود هذه القضية في أصلها إلى نضال المرأة على امتداد القرون من أجل المشاركة في المجتمع على قدم المساواة مع الرّجل. ويخبرنا التاريخ أنه في اليونان القديمة قادت ليستراتا إضراباً عن معاشرة الرّجال من أجل وضع حدٍّ للصّراعات، والمواجهات وإنهاء الحروب؛ ومن النساء الشّهيرات في تراثنا اللّواتي تجاوزن الرّجالَ حكمةً وفطنةً، وذكاءً ودهاءً، نذكر منهنّ على سبيل المثال وليس الحصر: شهرزاد منقذة بنات جنسها، وزرقاء اليمامة، وكليوباترة، والخنساء، وصاحبة ابن زيدون ولاّدة بنت المستكفي، وشجرة الدرّ، وزنوبيا، والستّ الحرّة حاكمة تطوان، وفاطمة الفِهرية مؤسِّسة أقدم جامعة في العالم وهي جامعة القروييّن بفاس، وسواها وهنّ كثيرات. وكما هو معروف، هناك العديد من النساء في الغرب اللواتي أدركنَ مراتبَ عليا من الشّهرة، والذيوع في مختلف المجالات. وفي خضمّ الثورة الفرنسية، نظمت النساء الباريسيّات تجمعات كبرى للدّعوة لتحقيق المزيد من الحرية والمساواة، والأخوّة، حيث نظّمنَ مسيرات إلى قصر فرساي للمطالبة بحقّ المرأة في الاقتراع. وظهرت فكرة يوم المرأة العالمي لأوّل مرّة في أواخر القرن التاسع عشر، ومستهلّ القرن العشرين، حيث عرف المجتمع نموّاً ديموغرافياً كبيراً، وظهرت أيدلوجيات راديكالية جديدة، وواكب نضال المرأة خلال هاتين الحقبتين تطوّر صناعي موسّع، واضطرابات، وقلاقل كثيرة.

وعلى إثر الإضرابات، والإحتجاجات النسائية التي حدثت في الثامن من آذار من عام 1908، حيث تظاهرت الآلاف من العاملات اللواتي كنّ يشتغلن في مصانع النسيج في مدينة نيويورك، بسبب الظروف الصّعبة غير الإنسانيّة التي كنّ يعملن فيها، وللمطالبة بمنح النساء حقّ الاقتراع، وخفض ساعات العمل الطويلة، ووقف تشغيل الأطفال، وقد أطلقن على حملتهن الإحتجاجية اسم خبز وورود حيثُ حملن قطعاً من الخبز اليابس، وباقات من الورود خلال هذه التظاهرات. كما كانت للحركات العمالية البروليتارية في بداية القرن العشرين تأثيراتها في بداية التفكير في الإحتفال بهذا اليوم للتعريف بإنجازات المرأة في المجالات السياسية، والإجتماعية، والإقتصادية وسواها، إلاّ أنّ بعض الباحثين يرجّح أنّ الاحتفال بهذه المناسبة جاء غداة المؤتمر الأوّل للاتحاد النسائي الديمقراطي العالمي المُنعقد في باريس عام 1945.

بداية تحرّر المرأة

الباحث الرّوماني أوجِينْ وِيبَرْ المعروف بدراساته عن التاريخ الفرنسي على وجه الخصوص. كَتَبَ يقول إنّ شارل بيغوي يَرَى أنّ العالمَ قد تغيّر في الحقبة الزّمنية المحصورة بين القرنين المنصرمين، أكثر من الفترة الزمنية الممتدّة من ولادة السيّد المسيح حتى عصرنا الحاضر. هذا الحُكم قد يبدو مُبَالَغاً فيه، إلاّ أنّ أوجين ويبر يبرّر ذلك بكلّ بساطة عندما يذكر لنا أنّه في الحقبتيْن المواليتيْن لنهاية القرن، كان صاحبُ هذا القول شاهداً على كثير من التغيّرات، والتطوّرات التي طرأت على مختلف وسائل الحياة، والأنشطة، والتقنيات، التى كانت تميّز، أو تطبع بشكل واضح مظاهر الحياة اليوميّة في ذلك الأوان، ففي ذلك العصر ظهرت السّينما، والسيّارة، والعديد من المُخترعات الأخرى، وأمكن إستغلال وقت الفراغ بشكل جيّد، الحركة، الأخبار، الرّياضة، الأنشطة المُبتكرة، وسواها من مظاهر الحياة اليومية الأخرى، كلّ ذلك كانت له جذور، وأصول، وتأثيرات مباشرة وفعّالة على التغيير الجِذري الذي عرفه عالمُنا المعاصر كذلك اليوم في هذه المجالات برمّتها، وفي سواها من مظاهر ومرافق الحياة. حاول أوجين ويبر التعريف بما أسماه: روح العصر والإرادة الوطنية في تجديد الإيمان في العِرْق، أو الجِنس، او العُنصر الفرنسى إزاء الخطر الألماني الدّاهم رجالاً ونساء. بل إنّ هناك علامات، وأمارات أخرى متعدّدة لبداية تخطّي أو تجاوز كلّ ما لم يكن ممكناً تخطّيه أو تجاوزه من قبل، ومن هنا طفقت تبرز بإلحاح مطالب تحرير المرأة، وإشراكها بشكلٍ فعّال في النهضة الجديدة التي بدأت تعرفها المجتمعات العصرية في مختلف المجالات.

تعرّض أوجين ويبر للتغيير الهائل الذي عرفته المرأة في خضمّ هذه التطوّرات التي بدأت تطرأ على المجتمع الجديد، حيث كانت القوانين الغربية في ذلك الوقت تعتبر المرأة مخلوقاً ناقصاً، وفي هذه الفترة مثلاً تمّت الموافقة لأوّل مرّة على أن تكون المرأة صالحةً لأداء الشّهادة في المحاكم، وبدأت تظهر بالتالي إرهاصات لبداية تحرّرها وإنفتاحها على المجتمع، وفكّ بعض القيود عنها فيه. ولابدّ أنّ القارئ يعرفُ جيّداً أنّ مجتمعاتٍ أخرى تُنْعَتُ بالمتأخّرة، وغير المتمدينة لم تضع المرأةَ في هذا الموضع من السّخرية والإزدراء !.

ويُخبرنا الكاتب أنه في هذه الحقبة أيضاً أمكن للمرأة لأوّل مرّة أن تفتح حساباً مصرفيّاً خاصّاً بها، وأن تحصل على رسائل جامعية عليا مثل الدكتوراه . وفي 1900 فقط سُمِح للمرأة لأوّل مرّة كذلك في فرنسا الإلتحاق بكلية الحقوق كباقى زملائها الرجال، ويقول الكاتب إنه مع التغيير الذي طرأ على وضعية المرأة، ومع الإعتبار الجديد الذي أصبح يُمْنَح لها وَقعَ أو طرأ تغيير كبير على الموضة أي

طرائق، وأساليب، وتقاليع، ومبتكرات، وتفنّن لبس المرأة،

وزينتها، وتطريتها، حيث أصبح رداء المرأة بسيطاً يخلو من التعقيدات الهجينة، والأنسجة الفضفاضة المبالغ فيها، والبَهْرَجة المتوارثة التى كان يفرضها عليها العصر، وتقيّدها بها التقاليد.

وعلى الرّغم من التقدّم الهائل الذي أحرزته المرأة في مختلف المجالات في عصرنا الحاضر، فإنها ما زالت – مع ذلك- في نظر البعض تلك الإلزَا ترِيُولِيه مُلهِمة الكاتب الفرنسي المعروف لويس أراغون، ذات العيون السّاحرة التي يتوق إليها كلّ شاعر، أو أديب، أو فنّان، أو مبدع ليستلهمَ من سحرها، وحدّة ذكائها، وروع دهائها، ورقّة دلالها، وطلاوة عذوبتها، وتواتر عذاباتها، موضوعاتٍ آسرةً لشِعْره، وفِكْره، وفنِّه، وأدبِه، وإبداعاتِه. ومثلما كانت المرأة – في عُرْفهم – مَصدرَ إلهام ووحيٍ وإبداع لدى الكثيرين، فقد شطّ الخيالُ لدى بعض المفكرين الآخرين بالمقابل في وصفها وصفاً مُجْحِفاً، حتى وإن كان في مستوى فردريك نيتشه، الذي قال عنها ذاتَ مرّةٍ مُستهتراً، هازئاً، مُزدرياً، ظالماً، متجنّياً، متعالياً، ومُبَالِغاً: إنّها راحةُ الجندي بعد المعركة.. !

بين شوقي وحافظ

والمرأة، في عُرف آخرين، ما زالت ذلك المخلوق القويّ، الضعيف الذي هو في حاجة دائماً إلى كلمات الإطراء، والإعجاب، والإبهار، وأيضا إلى التصفيق .. والتصفيق الحادّ غير المُنقطع، وقد عِيبَ على أمير الشعراء أحمد شوقي كونه وضع المرأةَ هو الآخر في تلك الخانة الضّيقة التي تظلّ فيها ومعها توّاقةً إلى الثناء، شغوفةً بالإنبهار، إذ قال فيها أو عنها:

خدعوها بقولهم حَسناءُ / والغواني يَغرّهنّ الثناءُ../ نظرةٌ فابتسامةٌ فسلامٌ / فكلامٌ فمَوْعِدٌ فلقاءُ..! ولم يتوانَ شاعر النّيل حافظ إبراهيم هو الآخر ليقدّم بدوره نصحَه، بالمقابل، ووِجهةَ نظره في المرأة، وبشكل خاص في أمّهات، وبنات، وصبايا أرض الكنانة قائلاً:

الأُمُّ مَدرَسَةٌ إِذا أَعدَدتَها/أَعدَدتَ شَعباً طَيِّبَ الأَعراقِ/لَيسَت نِساؤُكُمُ أَثاثاً يُقتَنى/في الدّورِ بَينَ مَخادِعٍ وَطِباقِ/رَبّوا البَناتِ عَلى الفَضيلَةِ إِنَّها / في المَوقِفَينِ لَهُنَّ خَيرُ وِثاقِ. ويقول الشاعر المَنبجيّ أبو عبادة البحتري في قصيدته المشهورة البِرْكَة:

ما بالُ دجلةَ كالغيرَى تُنافسُها/في الحُسْن طوراً وأحياناً تُباهيها!

فما كان له أن يقول أنّ دجلة تغار، وتنافس، وتُباري بِرْكَة المتوكّل في الحُسن والبهاء، لولا أنّ صورة المرأة كانت حاضرةً في مخيّلته، وماثلةً نصبَ عينيْه، ذلك أنّ أبا عبادة يعرف جيّداً أنّ المرأة تغار وتخشى، وتترقّب، وتنظر، وتنتظر، وتتلهّف، وتتوق إلى كلمات الإطراء، وتنزع إلى الإغراء، وتميل إلى التحلّي بالجمال، والرقّة، والكمال، وهي في ذلك تسعى لتتفوّق وتبذّ رفيقاتها، وأخواتها، ونظيراتها من بنات جنسها جمالاً، وبهاءً، وذكاءً، ودهاءً، وجاذبيةً، وفِطنة.

بين نيتشه وفاغنر

وإذا عدنا إلى الفيلسوف فردريك نيتشة لوجدنا أنه كان يقاسمُ مُعاصرَه الموسيقارالشّهير ريتشارد فاغنر حبّ الغادة الإيطالية لُوسَالُومِي ذات الحُسْن الباهر، والجمال الظاهر، فالأوّل كان يمثّل بالنسبة لها الصّرامةَ، والشّهامة، والجديّة الفلسفة والعقل أو الفكرالخالص ، وكان الثاني يمثل العاطفةَ المتأجّجة، والرقّة والعذوبة، والخيال المُجنّح الموسيقى والقلب أو العاطفة وبعد حيرة وقلق وتردّد بين هذين العبقريين مالَ قلبُ الفتاة الحسناء أخيراً إلى ريشارد فاغنر فأحبّته دون نيتشة، فشَعَر هذا الأخير بغيرة شديدة، وحنق، ونكد، وضنك، ومضض، وألم، وإمتعاض، فكان من فرط غيظه وغضبه يصعد إلى غرفة صغيرة منزوية توجد في سطح منزله ويحزّ أصابعَه بسكّين حادّ حتّى تُدْمىَ أناملُه، وبعد ذلك، عندما حاق به اليأس، وأخذ منه الإحباط كلّ مأخذ في الظفر بحبّ وقلب معشوقته لوسالومي، قال معلّقاً على هذا الحدث الذي أثّر في حياته تأثيراً بليغاً قولتَه الشّهيرة التي ما فتئ العشّاقُ، والمُحبّون، والمتيّمون الذين لم يظفروا بقلب معشوقاتهم يردّدونها إلى اليوم، قال ساخراً، متهكّماً، مُزدرياً، مُنتقصاً من قيمة الموسيقار فَاغْنر: لقد حلّق طائرٌ في سماءِ حبّي، وإختطفَ الملاكَ الذي أحببت، ولكنّ عزائي الوحيد أنّ هذا الطائر لم يكن نِسْراً..!

وراء كلّ عظيم إمرأة !

ويرى كثيرون أنه ما من نجاح، أو فلاح، أو تطوّر، أو تغيّر، أو قفزة، أوطفرة إيجابية في تاريخ البشرية، وفي مسار الناس، والحياة، والبشر إلاّ وكان للمرأة دخل أو يد فيها، ولولا ذلك لما قال نابليون قولته الشهيرة في المرأة: وراء كلّ عظيم إمرأة! ولما قال هو كذلك في السّياق نفسه: إنّ التي تهزّ المهدَ بيسارها، تحرّك العالمَ بيمينها! ولولا ذلك للمرّة الثالثة، لما قالباسكال عن كليوباترة: لو كان أنفها مستقيماً لتغيّر وجه التاريخ! وحمداً الله لأنّ أنفها من حسن الحظّ كان مُحْدودباً، نوعاً مّا، ولم يكن مستقيماً، ولذلك لم يتغيّر وجهُ التاريخ ..!.

وبكلّ تأكيد ليس منّا أو فينا من يشكّ أنّ المرأة الفاضلة هي أمّ قبل كلّ شيء. هي أمّ لكلّ رجال.. هي التي أرضعتْه، ورعتْه، وفطمتْه، وربّتْه، ودللته، حتى شبّ عن الطّوق..وحتى أعطته الطاقةَ، والقدرةَ، والقوّةَ على أن يرفع أصبعَه ويشير إليها قائلا : إنّك إمرأة.. ولا أحد يشكّ كذلك أنّ عظمة الرجل إنّما تأتيه عن طريق المرأة، وهي نصفُ الرجل الآخر الذي لا يستغنى عنه أبداً، وهو دائم الحنين إليها، ولا يزال يركض وراءها، ولا أحد يشكّ – للمرّة الثالثة – أنّ المرأة هي التّربة الطيّبة التي تنبت فلذات الأكباد الذين من أجلهم نحيا، ثم هي في الأخير كما يقول الكاتب الإيرلاندي الساخر جورج برنارد شُو هي التي تجيدُ صنعَ ذلك الحَساء اللذيذ الذي تقدّمه لنا ممنونةً كلّ مساء لننسى به أتعابَ اليوم، وضنكَه، ونكدَه، وهمومَه..! الجميع يعرف هذا جيّداً، ولكن في الوقت ذاته مع ذلك هناك مَنْ ما فتئ يتطاول، ويتحامل من دون رويّة على هذه المرأة وينتقصُ من قدْرها، إلاّ أنّ الحقيقةَ التي لا مراء فيها هي أنّ كل إمرأة أيّاً كانت، لا شكّ أنّها جديرة، وقمينةٌ، وحَرِيّةٌ، وأهْلٌ بكلّ تقدير وإحترام، وإعجاب وإكبار.

مباريات الجمال..!

بعد المعارك الضارية التي خاضتها المرأة عن جدارة، وإستحقاق بحثاً عن ذاتها، ونفسها، وعزّتها، وكرامتها، وشخصيتها، ومساواتها، وحقوقها المشروعة، قرّرت منذ زمن غير قريب أن تخرج بهذه المعارك الطاحنة من حيّزها الضيّق إلى مجال أوسع، وفضاء أرحب في مختلف أرجاء المعمور ..عندئذٍ خلقت لنفسها أحقاداً، وأعداء ومتوجّسين، ومناهضين لها في كلّ مكان.وإستخفافاً بها، وإستهتاراً بأنوثتها، وإنتقاصاً من ألمعيتها نصُبوا لها الكمائنَ، وفرشوا لها المكائدَ، فأوجدوا ما يسرّ الأغلبية السّاحقة، ويغضب الأقلية القليلة.. بتنظيم ما يُسمّى بمباريات ملكات جمال العالم ! .

وأيُّ خداعٍ يكتنف هذه الكلمة، ذلك أنّه ليس من اليُسْر والسّهولة أن يُعرِّفَ الإنسانُ الجمالَ!، فقد حار في تعريفه حتى كبار الفلاسفة، والمفكّرين، والأدباءعلى مرّ العصور، وتعاقب الدهور. ونصب هؤلاء المنظّمون على المنصّة شرذمة من السّكارى والصعاليك لتقول: إنّ الجمالَ هو طولُ القِوام، وهيَافةُ الخَصْر، والتناسقُ والرشاقةُ، ولمعانُ الشّعر وإنسداله وإنسيابه، والتعرّف على عواصم فرنسا، وبريطانيا، واليابان..! بالإضافة إلى مقاييس، ومعايير أخرى لا تمتّ بصلة إلى مكانة المرأة الحقيقية، وقيمتها، وجوهرها، وكنهها، ومنزلتها، ودورها الريّادي، ومهمّتها الأساسية الشّريفة التي لا محيد لنا أبداً عنها في تكوين الأسرة، والإسهام في بناء المجتمع حيث تعتبر المرأة نصفه، في تربية النشء، وإستمرارية الحياة .

والفائزة منهنّ في تلك المسابقات المخزية تُتَوَّجُ بتاج من الذّهب الخالص الإبريز المرصّع بالماس والزمرّد، ويوشّح صدرُها بقلادة غالباً ما تكون مطرّزة بالماس أيضاً. وعلاوةً عمّا تقدّم يوهب لها مبلغ كبير من المال نظير جمالها!، ناهيك عن الشّهرة الواسعة التي تنتظر الفائزة المحظوظة من إبرام لعقود الدّعاية والماركيتنغ والإشهار، ولو كانت ذات حظ أوفر، ونصيب أكبر لأقتيدت إلى إستوديوهات هوليوود، أو بوليوود، أو إلى مختلف مدن صُنْع الفنّ السابع لِتَمْثُلَ وتُمَثِّل أمام مشاهير النجوم

من الممثلين العالميين أمثال جورج كلوني، أو شارُوخان أو سواهما!!.

الأسود لا يليق بك

مع ذلك مازلنا نقرأ هنا وهناك بعض الترّهّات، والخُزعبلات حول المرأة من كلّ نوع، فما بالك بالقائل – حتى وإن كان كلامُه مردوداً عليه – عندما يقول: المرأة أصناف، ونماذج، إنها في حيرة من أمرها، فالتي ترتدي الميني متصابيّة، والتي ترتدي الماكسي مُعقّدة، والتي ترتدي الميدي مُعتدلة، والتي ترتدي البنطلون مُسترجلة، والتي ترتدي الشورتْ إمرأة لعوب، والتي ترتدي الجلبابَ محتشمة، والتي ترتدي النقابَ أو الحِجابَ إرهابيّة..! ناهيك عن بعض التقاليع الدخيلة التي إنتشرت مؤخراً

بيننا إنتشار النّار في الهشيم، بدلاً من الألبسة التقليدية المتوارثة الجميلة التي كانت موجودة، ومُستعملةً، ومنتشرة

بيننا، ممّاعرفناه، وألفناه من خِمَارٍ شفيفٍ أسودِ، أولثامٍ

خفيفٍ زبرجدِ، وجلباب فضفاض، وحايك مُحتشم،

وأردية مزركشة، وأغطية ملوّنة حسب البلدان، والأوطان، والمناطق، والجهات، والضّواحي، والأرباض، والتي تتعدّد وتجدّد على إمتداد السنة، وتغيُّرات، وتقلّبات الطقس، وتبدّل المواسم والفصول، إلاّ أننا نعود بعد كل ذلك وذاك لنذكّر في ختام هذه العُجالة بقول الشاعر القديم: إِذا المَرءُ لَم يدنَس مِنَ اللُؤمِ عِرضُهُ/ فَكُلُّ رِداءٍ يَرتَديهِ جَميلُ . وليس أقبح، ولا أسوأ لدى المرأة، أن تتجرّأ وتقول لها هذا الرداء أو ذاك اللباس، أو ذاك اللّون يليق، أو لا يليق بها أو عليها، كما أنّك لا تستطيع أن تنتقص حبّة خردل من جمالها، أوهندامها، أو منظرها، أوهيئتها، أومظهرها..!

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

د. محمّد م. خطّابي عضو الاكاديمية الإسبانية – الأميركيّة للآداب والعلوم – بوغوتا- كولومبيا.

المصدر جريدة الأنوار: 10/3/2018

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *