السبت 20 أبريل, 2024

موال مسافر

“موال مسافر” للسيد محمد رضا الأحمد السلمان:

إضافة جديدة إلى تراث أدبنا ومناهل عقيدتنا

عاي .أ. دهيني

mawal-1قيل إن الشِّعر بيان وفصاحة لسان، يحملان ما اجتمع عليه وجدان الإنسان حين يعانق ما حوله، مما يترك أثراً في هذا الوجدان، فيتحول إلى تراكم ترزح به أريحيته، فتحيله إلى وجدان آخر ليكون ملاحظة يُسقط من خلالها غرضه وأهدافه من وعيه الثقافي في وجه، وتكون رسالة في وجه آخر.

كوامن القلب أودع ما رغبت به

              إنَّ الحياة التي تقسو نجاريها(1)

في ما مضى من أيام، كانت القصائد في بعض وجوهها، وأهدافها، قرين السيوف في شد العزائم ورفع المعنويات، أما اليوم ، وفي زمن الغزو الثقافي المقرون بالمد الغربي للهيمنة على سلوكنا وتنميط حركتنا الفكرية بما يتلاءم وأغراض هذا المد غير البريء، بخاصة في ما يتعلق بعقيدتنا الإسلامية بما تحمل من تعاليم وتستبطن من قيم أخلاقية وحلول إجتماعية في آن ، صار للقصيدة مهمة مُلحّة بأن تتصدى لهذه الغايات الغربية الساعية إلى زرع الشك في مناهجنا، وباثّة النزاعات في مجتمعنا، ناهيك عن سعيها الدؤوب لإغراق مجتمعنا بعناصر الانحلال الأخلاقي، من خلال جماليتها اللفظية السهلة بخاصة، والمتضمنة الحفاظ على ما يجب أن تتربى عليه ضمائرنا وأخلاقياتنا، بما يقارع هذا المد الغربي ولجمه بالكلمة الجميلة في إيقاعها والهادفة في مضمونها.

أمام كل ما تقدم، كان لا بد أن يبادر أهل العلم من الساهرين على سلامة قيمنا الأخلاقية، من الحافظين لآداب وتعاليم الإسلام الحنيف، من أن يبادروا إلى إبداعات ثقافية وآدبية، يخاطبون فيها ابناء المجتمع، وبخاصة الشباب، بلغة يستطيبونها ويستملحون تداولها فيما بينهم في مجالسهم.

من هذا المنطلق يمكننا أن نجول مع السيد محمد رضا السلمان في ما يقدمه في هذا المجال من محاضرات وخطب ومشاركات فكرية وثقافية في العديد من المحافل، وعلى المنابر، لا سيّما في لون من ألوان الأدب الذي يبرع به سماحته، وهو مجال الشعر، من لغة محببة تقدم في مضامينها تصويب ما يجب تصويبه وتذكير النفوس الشابة وإلفاتها إلى ما يكتنزه تراث أدبنا ومناهل عقيدتنا، من قيم أخلاقية وعقائدية، ناهيك عن جمالية تطرب لها الأنفس ويستسيغها الوجدان.

في الصفحات التالية من هذا الديوان، لوحات جمالية تبثها همسات وجدانية، سوف تجول ذاكرتنا الأدبية، والدينية، معها كومضات مشرقة فاضت بها أريحية الشاعر أثناء تجواله ـ وجداناً روحياً أو واقعاً جسدياً ـ ألمعت بها مما تربت عليه روحه في هذين الميدانين ـ الأدبي والديني ـ، فجاءت قصائده لتجمع بين ما يحتاجه المتلقي من الوعي الديني والتقاط شواهده، وبين الذائقة الأدبية التي توجهه نجو الجمال والإبداع.

ففي لوحة الموال الأول يعبّر الشاعر عما تحمله روحه من أوجاع سببها ما عاينته مما يدور حولها، فيقول في خاتمتها:

سردت بعض أقداري      بجنح ليلة القدرِ

وصلَّيت بها شفعاً      يوازي ركعة الوترِ

إلهي ما الذي أسرى      بهذا العبد للنَّهرِ(2)

بهذه الاستعادة لما حملته نفسه على مر الأيام، لم يجد بداً من حديث مع النفس تستعيد به ما أهمها وما أفرحها، وأفضل الساعات التي تأنس فيها النفس من الصفاء هي ساعات السحر حين يكون ضجيج الحياة ذاوياً مخبوءاً في ديجور الظلام، حينها تسعى النفس للهمس بينها وبين وجدانها، ولأن النفس السوية غالباً ما تذهب إلى حيث هنائها، فابتسم الشاعر في قريضه ليختار أفضل الليالي التي تشتهيها الروح المتبتلة بحب الله.

وفي لوحة الموال الثالث، نلمس بعضا من توجيه وإلفات إلى أنه لا يجوز أن نوازي بين ضدين، ومما قد يغيب عن البال، فيقول:

أنا وشيءٌ من الماضي عبرت به      كلَّ الذي لم يكن من قبل قد وصلا

عذرت “زيداً” يقيم الليل مرتبكاً      فكيف أعذر من أعطى وقد بذلا(3)

وفي لوحة الموال التاسع يبين لنا أنه لم يفته ما يجري حوله مما يشغل الناس ويسربل حركتها، لكنه يصرّ على أن الفكر لا يجب أن يستسلم وعليه أن يجتهد مستعداً لما يجب عليه القيام به في لحظة مّا، فيستعير من مهجته صورة تفور بها حين يخاطب السيدة الزهرا (ع). فيقول:

هي الشمس التي عمَّت حماها      وألغت حاكماً رام الفسادا

إذا أعجزت في الأفكار يوماً      وجبت الأرض لم تترك بلادا(4)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) موال ـ 4 . ص: 17

(2) الموال الأول. ص: 11

(3) الموال الثالث . ص: 15

(4) الموال التاسع ز ص: 28

 

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *