مع الشاعرة روعة يونس
في لقاء مع الشاعرة والأديبة السورية روعة يونس:
الشعر ذكيٌ لا يمكن أن تحدّه بتعريف
عاصف الخالدي*
الشاعرة روعة يونس: نصوصي ترفض الظلم والخيانة على كل الأصعدة.
لا يمكن الاكتفاء بنصوص المبدع. بل يجب الاقتراب من عالمه، إن كان رحباً كعالم أديبتنا السورية روعة يونس التي تمثل روحاً إنسانية مثقفة وحساسة بكل أبعادها، عبر شعرها الإنساني – الوطني والعاطفي – المؤثر. تفرّ شاعرتنا أحياناً إلى الكتابة الساخرة لتضللنا بإخفاء حزنها ووجعها كطائر يرقص مذبوحاً من الألم. تقول: اطمئنوا أنا بخير وبلادي ستنهض وتبتسم وسينتصر الحب. أكثر ما يلفت في حضورها بمواقع “التواصل الاجتماعي” بروزها كشاعرة لا تكتفي بنشر نصوصها وكتاباتها، بل تلتزم الدخول بجدية إلى نصوص الأصدقاء، تعطي رأيها بلطف وحسم معاً، تنتقد دون تجريح، وتشجع بالمديح. فهي كريمة لا تكتفي بكلمة: جميل. ونحن بدورنا لن نكتفي بهذا الحوار معها بالقليل.
– بداية: ولأن للشعر وجهاً تحريضياً، علامَ تحرّضنا روعة يونس في لغة قصائدها؟ على الحب والحياة وهما روح الشعر، وإن وافقتني، لماذا نستشعر الحزن المزمن في نصوصك؟
* اكتسبت مخزوني اللغوي البسيط بهدف التنمية والتثقيف الذاتي. لا لأدفع أحداً باتجاه الحب أو سوى ذلك! فقارئي حرٌ له خيارات قلبه وعقله. خاصة أن النصوص مهما كانت تحاكي المتلقي أو تتقاطع مع تجربته، فهي ليست ناطقة باسمه كلياً. أنا أحرّض ضد الظلم والخيانة في كل علاقاتنا. لا أجد أبشع من هاتين المثلبتين. وبالتالي طالما هناك خيانة وظلم في حياتنا سواء وطنياً أو اجتماعياً أو عاطفياً لا بد من أن يبرز الحزن ويصطبغ النص بالوجع
– هل تعرفّين لنا الشعر أم تكتفين بكتابته؟ ولعلك تتمنين تصنيف قصائدك بإطار ما، كأن يقال تقع ضمن قصيدة النثر أو غيرها من أجناس الشعر؟
* لا أقف على تعريف واحد للشعر، فهو ذكي لا يمكن أن نُحدده بتعريف واحد. كما أن التصنيفات أو إلى أي “شعر” ينتمي حرفي، لا يشغلني. يكفيني أن أكتب وأنتمي إلى حرفي وفكرتي وأن أنتصر لكلمة الخير وأثرها. فما أتمناه أن تصل كلمتي، لذا لا أكترث بالقوالب- وأيضاً لا أكسرها. أصلاً لا ألحّ في طرح نفسي شاعرة والتسويق لها. –
– ثمة أنماط إبداعية أخرى لديكِ (مقالات ناقدة) تستخدمين لغة ساخرة ضاحة، كيف تجمعين بين النقيضين؟ حزن وألم – مقابل مرح وسخرية؟
* بكل تواضع قد تكون قدرات كتابية، فضلاً عن تمتعي بجملة من الطباع المتناقضة تتراوح ما بين المرح والترح. هذه أنا، لا يمكنك القبض علي متلبسة بحالة كوميدية دائمة ولا درامية دائمة. خاصة في ظروف الحرب التراجيدية التي انعكس دمارها على روحي وقلبي ومحيطي المحدود والمفتوح.
– لاحظتُ من خلال تفاعل قراءك معك في موقع “الفيس بوك” أنكِ تحاولين منع شخصنة نصوصك، كما لاحظت أن ذات الكاتب عموماً، والمرأة تحديداً، يتم إقحامها في النصوص من قبل المتلقي العربي، ما السبب؟
* الشعر مقدس والدخول إليه هو دخول لمحراب. لا أرغب بالتسلي والمرح في أرجائه ولا التذويت والشخصنة وشتم أبطال النص وامتداحهم. هذا لا يعني أنني أشترط عدم التعاطف والتأثر(!) بل يهمني أن تصل الحالة بحيادية لا تخصني كـ روعة. والأهم أن ينصرف القارئ إلى تذوق اللغة والمفردات المبتكرة والصور الشعرية والموسيقى. أو حتى رفضهم وإنكارهم. ولعله أمر كريه أن يظل النص بروازاً لصورة الكاتب الشخصية. لأنه ليس بالضرورة أن يمثلني النص كحالة إنسانية أو عاطفية.
– عموماً بفضل الفضول! قد يسال كثيرون: لمن تكتبين هذا؟- لو اتهمتك الآن بأنك لا تتناولين من مواضيع الشعر التي تمثل الحياة كلها سوى الوطن والحب، بينما يغيب المجتمع عن نصوصك الشعرية ويظهر فقط في القصة! ماذا تقولين؟ *
* أقول: لستَ مخطئاً. وملاحظتك في محلها. ومجموعتي القصصية بمجملها ذات طابع اجتماعي ووطني. لأن الكتابة بالشأن الاجتماعي تحتاج لغة سلسة مرنة واضحة (وإن كان سقفها عالياً) ولا تحتاج إلى محسّنات ولا صور شعرية ولا اشتغال على موسيقى داخلية. وتصل أسرع عبر القصة. في الشعر إن تطرقنا إلى قضايا اجتماعية، أعتقد سيغلب على النص الوصف والرصد والمباشرة
– على الرغم من الشعبية والحفاوة التي تُقابلين بها في وسطنا هذا، تتهمين بالتعالي والغرور، قرأتُ قبل عام منشوراً لكِ تنتقدين فيه مواقع إلكترونية ثقافية، اهتمت ونشرت لك نصوصاً شعرية؟
* فعلتُ ذلك إكراماً لهذه الشعبية من أصدقاء ومتابعين وقرّاء. لأنه لن يرضيهم – ولا يرضيني قبلهم – أن يُنشر لي نص “عاطفي” صبيحة يوم تفجير دموي في سورية أو مصر أو العراق أو فلسطين أو أو. ولا أن يُنشر نص ساخر لي يوم تحرير مطار سوري من أيد الإرهابيين. أو تحرير أسرى لبنانيين ! الأهم هنا، حين نقول: الموقع “اهتم” ونشر لي نصاً. عليه أن يكون “مهتماً” بالرجوع إلي وسؤالي عن نصوص يُمكن أن يختار منها. فما أنشره في صفحتي قد يكون تابعاً لمزاج شخصي أو حالة مؤقتة أو لا أراه نصاً متكاملاً تتوفر به شروط النشر الثقافي. فأنا صحافية وهذا من صميم عملي الذي أفهمه جيداً، وهو حافظ للحقوق ولا يعتبر غروراً ولا تكبّراً. وإلاّ ما استضفتموني في “مدارك ثقافية” الغالية إلي، ممثلة برئيس تحريرها الأديب الكاتب علي دهيني (وهو زميل، أيضاً، في الصحافة).
– هل يوحي هذا بأنكِ لست راضية على عمل تلك المواقع، لهذا لا تظهرين من خلالها؟
* بعض تلك المواقع – لا أقول كلها – تسطو على النصوص من صفحات أصحابها، بذريعة أنها منشورة للعامة! ولا تراعي المقاييس الفنية الجمالية للنصوص ولا معايير النشر. لذا فالخدمة التي تقدمها هذه المواقع انتشار الأسماء، بغض النظر عن الأخطاء اللغوية والطقس الجمالي للنص ككل
– نعرف أن لكِ إصدارين مجموعة شعرية “كما لا أحد” ومجموعة قصصية “أعلى من سماء” ، هل من جديد في جعبتك؟
* لدي مجموعة شعرية شبه جاهزة. ومجموعة قصصية “ناس في الحرب” نشرت من كليهما بعض النصوص في صفحتي. لكن لن أكرر ما صادف المجموعتين اللتين أصدرتهما صيف 2012 من سوء توزيع وعدم مشاركة في المعارض الدولية بسبب الحرب والحصار على سورية خارجياً وداخلياً. لهذا أنتظر ككل السوريين الفرج. أو ربما أجد حلاّ ما يفضي إلى طباعتهما وتوزيعهما.
– هل ترينَ أنك راضية عن ذاتك في إطار الكتابة؟ وهل تقيمين تجربتك المهنية والإبداعية حتى اليوم بصورة ما؟
* كيف أقول: نعم أنا راضية على ذاتي! بينما أنا غير راضية؟ سابقاً سرقتني الصحافة بعض الشيء. والآن يسرقانني (الشعر والقصة) من الصحافة. وفي كل هذه المجالات لم أقل ما أريده وما أقتنع به وما أفكر به وما أطمح إليه! وأخشى أن لا تتيح لي الحرب أن أمضي في مشواري مع الكتابة لأرضى عني. إنما تجربتي الصحافية والشعرية والقصصية نالت ما تستحقه (إعلامياً) حين كنت راغبة بالظهور الإعلامي والترويج لي. حصل ذلك قبل إصدار المجموعتين وطوال إقامتي في الإمارات، حدّاً أجريت معي حوارات أكثر من التي أجريتها كصحافية.
-ماذا تقولين في زمن يتعارض فيه الشعر مع الحرب. ما تأثيره عليك كإنسانة في حياتك اليومية؟ وكشاعرة وكاتبة في حياتك الأدبية؟
* من جهتي نشطتُ في النشر بعد أن استعرت الحرب في بلدي. كنت منطوية منعزلة في أول عامين إبان عودتي لسورية في بداية الأزمة. وصحيح أن الشعر الجميل النبيل المقدس يتعارض مع الحرب البشعة القاسية المجرمة، لكنه مع -باقي أجناس الأدب – كان نافذتي إلى الحياة إنسانياً وإبداعياً – إن كنتُ مبدعة. ويؤلمني القول: أنا لست متفائلة. فالتفاؤل المجاني بلاهة، وتغييب للوعي الجمعي، وتجاهل لمستقبل البلاد والعباد. فالآمال كي تتجاوز الآلام تحتاج لكثير من العمل والخطط. باختصار: نحتاج مع بناء سورية بناء إنسانها.
– عملتِ أيضاً صحافية في الاتحاد الإماراتية وكتبت القصة والشعر وتعاملت مع هذه العناوين بحرفية فنية وعملية. في ظل تعددية نتاجك الأدبي، أين تجدين نفسك؟
* أجدني في جميعهم. أنا أكتب. وأحب أن أكتب. وسأظل أكتب. وعسى أن أموت وأنا في ساحة الكتابة
– من خلال قراءاتك النقدية وحتى تعليقاتك وردودك على نصوص الآخرين ألاحظ أنكِ تبدين حماسة جادة حيال بعض الأسماء الشابة؟
* صحيح وأنا لا أتحرج من الإشادة بهم ودعمهم فهذا يعني أنني “متذوقة جيدة”. وأبدي حماسة بيّنة تجاه نجوم جدد سيكون لهم الحضور الفاعل قريباً. منهم على سبيل المثال: نور نصرة ومحمد أحمد الجبوري. وكل منهما –للمصادفة- خريج ترجمة انجليزية. إلاّ أن نور تميل إلى الشعر الحديث، بينما يميل الجبوري إلى الهايكو والتكثيف. لكنهما الأحب لدي، ونصوصهما شاهدة .
– ماذا تقولين في ختام حوارنا؟
* أنت مبدع يا عاصف و روائي ، فاعذر رغبتي بالابتعاد عن النقاش المتخصص والناقد، بحيث تكون الأسئلة ذات لغة طيعة تصل إلى كل فئات القراء: النخبة المثقفة والمطلعة والمعجبة والقارئة. وحتى العابرة لسطور حوارنا الذي أشكرك عليه، وكذلك “مدارك ثقافية” الغالية.
* نصوص الشاعرة متوفرة في “مدارك ثقافية”
ــــــــــــــــــــــــــ
* روائي وكاتب أردني.