همس الخاطر

لغتي والشعر

لغتي والشعر

د. غازي مراد

morad mansor-1“لغتي والشعر” هي واحدة من قصيدتين ألقاهما الدكتور غازي مراد في الأمسية الشعرية التي افتتح بها منتدى “ليل وحكي” موسمه الشعري لهذه السنة، وقد استضاف فيها الدكتور غازي مراد والدكتور مهدي منصور الذي تجلّى في نثر لوامع قصائده ليبرق لماها في عيون وثناء الحضور، كما ألهب الدكتور غازي الآهات من أفواههم وأخذ المتعة في إصغاء أسماعهم، ورغم طول قصائد الدكتور غازي، إلاّ أنه أحكم تركيب فصولها وغنى موضوعها الذي يحاكي هماً ثقيلا عند أهل الاختصاص وحراس اللغة العربية وما يعانونه من تشوهات تصيب قواعدها وأصولها.. وأغراضها، في مختلف مجالات استعمالها.

 

كتبتُ في الشعر حرف الضاد ألوانا          وصِغتُ في القولن منهُ النثر فازدانا

وحرتُ في النظم أي البحــر أعبُرُه           لأقطــع اليـمّ قبطـانــاً وربــانـــــــــا

وأمخرُ الموجَ لا ألـوي على خطرٍ             يهدد الشعـــر إغراقــاً وفقدانــــــــا

ورجتُ أبحث  في   الأكوان عن لغةٍ          تُماثل “الضَّاد” ، أوصافاً وأركانــا

رقيقـة اللفـظ  ،  تعبيـراً  ، مُرَنَّمَــــةٍ          جميلـة الشــدو، أنغامــاً وألحانــــا

فما رأيت لغــاتٍ   في   بلاغتهـــــــا          وما سمعت بيانـــا هــزّ وجدانــــا

أو أنَّ  بعد  لســان  العُــرب   ألسِنـَة          تُطــوِّع القــول تركيبــاً وبنيانــــا

أخالها الزهر  في  الأرجاء  منطرحاً          يزهــو ويُشـرقُ أوراقــاً وأغصانـا

يمتــدّ ،  يُـورف ،  لا تذوي  خمائلـهُ          وينثــر العطــر مضواعــاً وقتّانــا

هي الدليل لمســـرى الخيــــر يوصلنا         ومرشد الدرب تعليمــاً وتبيانـــــا

فأيقظ القــــــوم من جهــلٍ يضللهــــم          وحطّم الكفــر أصنامــاً وأوثانـــا

هي  الهــويــة  في  دينــيٍ  نقدِّسُــــه          هي القضية نحيـاهــا وتحيانـــــا

هي العـروبـة  نبـعٌ  مــن مناهلهــــــا          ومورد الحب يروي الروح إحسانا

وللثقــافــــة  معيـــــــارٌ  يحــــــــدّده          من ذا يُســـدد للأقـــــلام أثمانــــــا

ويُنفــقُ  المـــال  إغداقــــاً  لمُكتسبٍ          ليبطل الحـــق ، تـزويــراً وبهتانا

هي الحـداثـة  مـــا ألغــت قواعدنــــا          لنكتب الرمـز أشعــاراً وقصدانــا

من الحداثة مــــــن صارت هوايتـــه          كتابــة الشعــر أشكــالاً وألوانــــا

يحط في الصدر بعض اللفظ منفــرداً          ويسقط العجــز إخفاقـــاً ونكرانـــــا

ويُتعب الحـــرف إمـلاءً  وتهجئـــــةً          ويخــرج النطــق تفيفـاً ونقصانـــــا

هي الوريــد يضـــخُّ  الدم  في نبضٍ          ويربط العــرق أوصــالاً وشريانـا

وتاج كـــــل لغـــــات الأرض منزلةٌ          بها المراتب تعلــو فوقهــا شانــــا

يغريــك منهــا بديــع  في  تنــوعـــه          ما جــاء غيــر لســـانٍ فيـه أو كانا

أعــزّها  الله  عظيمــاً فـأنــزلهـــــــا          حرفــاً يدوّن للإســـــــلام قـرآنــــا

قيلت لأحمد ، اقرأ ، باسم  مُنزلهــــا          إقرأ وربك من زكى ومن صانــــا

وإن صنو حروف الضاد  في  زمني          بعضُ العبادة ، فيما الله أوصانـــــا

ترنّح الحرفُ مـــن ضعفٍ ومن خورٍ          وجفَّ في الحبرِ دفقٌ كان طوفانــــا

وأنضَبَ القحـــطُ أقـــلاماً معطّــــــرةً          وأيبس الجدبُ أفكاراً وأذهــانــــــا

وأوهن النثــــــرُ أدواءٌ مجرّحــــــــــةٌ          والشعر أصبح أورامــاً وأدرانــــا

فقلّص الـــفنَّ  والإبـــداعَ  قــافلـــــــةٌ          للنشـر تفتــح حـانـوتــــاً ودكّـانـــا

وحرَّف النّطق  في الإعـــــلام طائفةٌ          تروّجُ اللغــو ، أخبـــاراً وإعلانـا

تُعلِّــم  الخطــلَ ،  إفســــاداً  لناشئــة          وتزرع الجهل ، إصراراً وإمعانا

هـــــي للسياســـة قامــوس بموطننــا          يطفــو وينضـــح إذلالاً وحزيـانا

من  الحداثـة  مــا  أعيــا  بصائرنــا          وأرهـق العيـن أرماقــا وأجفانــا

وأربك العــــــقل إعجازاً لأحجيـــــة          تُحيّـر الفهــم تفسيــراً وعرفانـــا

كم ألهب الحرفُ في الثورات معركة          وأسقط الشعـــر حكـامــــاً وتيجـانــــا

وأيقظ النــاس مـــن نــومٍ يحدّرهـــــم          وفكك الظلـم إيـلامـــــــاً وطغيـانــــا

تبقى الحـروف ويفنـى وجــه كاتبهـــا          والدهـر يحفظ مـن أخفى بمـا بـانــا

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button