الجمعة 29 مارس, 2024

طبيب ساعات يشخص أمراضها ويصلح عيوبها

محمد فياض..

طبيب ساعات يشخص أمراضها ويصلح عيوبها

فداء طه

taha-1

(قرأت هذا التحقيق في صفحة الصحفية فداء طه، وتوقفت عنده أتأمل ما حواه من نقاط هامة لا بد أن نتعلمها في حياتنا ـ خلاف ما تحمله رمزية العنوان من ثناء واستعارة لجهة إسقاط المصطلح ـ مثل “الصبر”، فكم نحتاج إلى التمرين لنعرف قيمة الصبر في سلوكنا وتعاملنا مع الآخر بينياً أو مع أنفسنا حصراً، حيث أن مهنة موضوع التحقيق تحتاج من الصبر ما لا يقدر عليه إنسان هذه الأيام. وقد أشارت في تقديمها لهذا التحقيق أنها نشرته في 06 يناير 2008 في صحيفة الاتحاد الاماراتية).
ما يلي مادة التحقيق:

في ركنه الصغير المتواضع يجلس الساعاتي محمد فياض يوميا منذ ساعات الصباح الباكر، يمسك بيده أدواته الدقيقة كالمفك و”القطّاعة” وغيرهما، واضعا على عينه مجهره الصغير ليرى من خلاله أحشاء الساعات ويشخص أمراضها ومواطن العطب فيها.. علاج الساعات بالنسبة له لا يستغرق الكثير من الوقت فخبرته الطويلة في هذا المجال تمكنه من تشخيص مرض الساعة والقطع التي تحتاجها وإصلاحها خلال بضع دقائق فقط.

36558242_10155779129847169_2183650034296291328_nبدأت رحلة فياض مع مهنته منذ 25 عاما مضت حين جاء من الباكستان إلى الإمارات يحمل معه خبرة متواضعة في تصليح الساعات حصل عليها من عمله في وكالة ساعات عالمية كبرى، ثم افتتح فياض محله في السوق القديم وبدأ الزبائن يفدون إليه يوميا بالعشرات، حيث يأتمنونه على ساعاتهم الثمينة لكي يعيد إلى عقاربها الطاقة والحيوية ويبعث الحياة في أوصالها من جديد.. ”أنا أصلح كل ساعة مية مية، وإذا جاء واحد نفر للتصليح لازم يرجع تاني”، هذا ما يقوله فياض عن مهنته الحبيبة عندما يسأل عنها، وهو يقصد بذلك أنه يصلح الساعات بنسبة 100% ولذلك فإن الزبائن يعودون إليه دائما لتصليح ساعاتهم.

رقم واحد

زبائن فياض يعتبرونه الساعاتي رقم واحد في أبوظبي فهو ذو خبرة عريقة في تصليح الساعات كما أنه رجل أمين، ومهما طالت غيبة الزبون عن استلام ساعته فإنها تبقى لديه في الحفظ والصون. والدليل على ذلك أنه يحتفظ لديه في أحد ”الأدراج” وكذلك في البيت بمجموعة من الساعات التي أودعها لديه زبائن قدامى ثم لم يعودوا لاستلامها، ومع أن بعضها مضى عليه أكثر من عشر سنوات إلا أنها لا زالت صامدة في صندوق فياض بانتظار صاحبها.. وكيف يتخلص منها أو يتصرف بها وهي أمانة مودعة لديه؟

واحدة من أكثر القصص التي يتذكرها فياض في هذا الصدد، هي أن أحد الزبائن أودع لديه ساعة ثمينة لكي يصلحها لكنه لم يأت لاستلامها، ومضت الأيام والسنون وصاحبها لم يطلّ، ثم بعد 8 سنوات عاد هذا الزبون يسأل عن ساعته، فقال له فياض إنها ما زالت في انتظاره، فقال الرجل لا أريدها ولكن كنت أريد أن أعرف فقط إذا كنت ما زلت تحتفظ بها، ثم ذهب ولم يعد مرة أخرى حتى اليوم.. وبينما كنا نتحدث في نفس الموضوع جاء أحد الزبائن وأودع لديه ساعة قال فياض إن ثمنها يقدر بأكثر من 60 ألف درهم، مرصعة بالألماس، وقد أودعها لليوم التالي لحين إصلاحها.

باب النجار

حين يتحدث فياض عن عمله لابد وأن يعرج على ذكر أيام العمل في السوق القديم، فقد كانت أجمل أيام حياته. وكانت للعمل هناك متعة ونكهة خاصة لاسيما وأن الدوام لم يكن يرتبط بساعات معينة، كما أن عدد الزبائن ومرتادي السوق كان كبيرا والتكلفة أقل، أما اليوم فقد ارتفعت الأسعار في كل شيء، الإيجارات وأسعار القطع لذلك لابد أن ترتفع كلفة التصليح، ولهذا فإن أشد ما يحزنه أن كثيرا من الناس تبخس ثمن الأشياء مع أن كل شيء أصبح غالي الثمن.

وحين يتحدث فياض عن عمله أيضا يشكر الله على نعمة البصر التي أنعم عليه بها لكي يتمكن من مواصلة عمله باتقان، ويقول إن واحدة من الأشياء التي تعلمها من هذا العمل هي الدقة والصبر.. لدى محمد فياض ثلاثة أولاد وابنتان تعلموا في الجامعة باستثناء واحد من أولاده تعلم صنعة أبيه وهو يداوم معه في المحل وهو حريص على أن يعلمه إياها بحذافيرها.. الغريب في الموضوع أنه رغم امتلاك فياض العديد من الساعات إلا أنه لا يرتدي في معصمه أيا منها..

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *