قراءات نقدية

“زيتونة القدس” بوصلة الوجع العربي

“زيتونة القدس” مجموعة شعرية تعيد بوصلة الوجع العربي للقضية الفلسطينية

من أيمن سعد

14527546_1177618288943700_24663719_nالقاهرة (رويترز) – في الوقت الذي تهتز فيه المنطقة العربية بفعل صدمات ما بعد الربيع العربي والحروب في سوريا والعراق واليمن وليبيا يخرج ديوان (زيتونة القدس) ليعبر عن الوجع العربي بشكل عام ويعيد بوصلة الألم إلى القضية الفلسطينية.

في مجموعة من القصائد يرصد الشاعر الدكتور أنور الموسى آلام الوطن والمواطن العربي سواء تحت الاحتلال في الأراضي الفلسطينية أو تحت الحصار في غزة أو رهين الفوضى في اليمن وتحت القصف في سوريا والعراق.

وفي الوقت الذي يعبر فيه عن أوجاع العالم العربي فإنه يرد كل تلك الأوجاع إلى الوجع “الأصلي” وهو استمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية.

ويصف أنور الموسى ديوانه الذي صدر عن دار النهضة العربية في بيروت بأنه “مجموعة قصائد شعرية مفعمه بما يصبو إليه أحرار العالم.”

تتناثر على صفحات الديوان تعبيرات ترسم الكثير من صور الألم العربي.. المستوطنات والمستوطنون.. المجازر.. قصص المعاناة في القدس.. تقطيع أشجار الزيتون.. مخيمات اللاجئين.. سادية المغتصب.. والشهداء.. هذا…عدا السرد العاطفي المرتبط بأسماء مدن فلسطينية وبيروت وحارات دمشق والشام.

للعراق وسوريا ولبنان والشام بشكل عام حيز مهم في الديوان لكن القدس وأحياءها وأهلها وناسها والفلسطينيين سواء كانوا تحت الاحتلال أو في مخيمات اللاجئين هي ما يشغل الحيز الأكبر والقدر الأوفر من الدموع المراقة والمشاعر الفضفاضة التي يحتويها الديوان.

نحو 145 قصيدة يتألف منها الديوان تشبع شغف المهمومين بقضايا الشرق الأوسط بشكل عام واللاجئ الفلسطيني بشكل خاص الذي يحلم بشيء في غاية البساطة.. بطاقة هوية لا تحمل صفة اللاجئ.

يحلم الشاعر بالوطن الفلسطيني ويتصور في بعض القصائد مشاهد العودة للاجئين وأعراس ما بعد إقامة الدولة.. ويقول في قصيدة (حلم العودة إلى القدس) متصورا “وفود العائدين” إلى المدينة المقدسة:

“أيا مسرح الشجعان نورت في الذكرى

فقد خلدت شمساي ساحاتك العظمى

رأيت وفود العائدين تجمعت

ليشرب ماءً نجم نصر وبشرى

ولحن بالأوتار في الحارة امرُؤٌ

فحاول بِالقِيثار أن ينظم الشعرا

طربنا بِها حتى أطل صباحنا

وكانت هموم الليلِ لا تقمع الدهرا

وفي القدس كان الملتقى بعد ظلمةٍ

فيا حبذا النبعُ الذي يشبه الخمرا

تهادى خرير الماء بين مشاعري وغردت الأغصان من فوقنا سُكْرَا

ويا حافظ الأوطانِ دونك مهجتي

فهبني الثواني في المسرة لا شهرا.”

ويتخذ المؤلف من الزيتونة رمزا للقضية الفلسطينية ويضفي عليها صفة البقاء والخلود الأبدي ربما في عمل مضاد لما تقوم به قوات الاحتلال التي تحاول القضاء على الزيتون والقضاء على القضية واستمرار الاحتلال.

الزيتونة رمز للصمود والآلام والتحمل والصبر والوطن المفقود (الفردوس) وهي النبات المقدس للفلسطينيين “لذا يقطعها الاحتلال في الضفة الغربية” على حد قول المؤلف الذي يؤكد أن “الزيتونة هي رمز الحياة مقابل القتل والمجازر”.

ويقول تحت عنوان “زَيْتُوْنَةُ القُدْس” ِ:

أَلا إِنَّهُ كَنْزٌ يَزِيْدُ وَيَنْقُصُ

وَزَيْتُوْنَتِي بِالقُدْسِ ضَاءَتْ فَأَرْقُصُ

فَهَا أَنَا أَمْحُوْ مَا خَسِرْتُ بِنَبْتَةٍ

وَأَنْظُرُ فِيْ مَا قَدْ قَطَفْتُ أُمَحِّصُ

وَأَقْرَأُ أَغْصَانَ الحَنِيْنِ فَأَنْتَشِي

وَيُعْمَى عَلَيَّ الغُصْنُ حِيْنًا فَأَفْحَصُ

إنه ديوان مفعم بالثورة والحنين إلى الفردوس المغتصب .. تغلفه ثنائية الدم والنصر والحياة والموت والشهادة والتحرير.. فيه عذاب اللاجئ والمخيمات.. والثورة وأحلام العودة.. وتمجيد الزيتونة الذي هو تمجيد للوطن المغتصب والمحتل.

ويمضي الشاعر في بحثه عن الوطن الضائع موضحا منهجه الشخصي في ذلك “أبحث عنك

بين زواريبِ اللعنة والشقاء

حتما سأجدك

بين ضلوع الفقراء.”

ويتقمص الشاعر دور المعلم ودور الأب والجد الذي أحب الوطن من جيل إلى جيل:

“مُدَرِّساٌ كُنْتُ مَا تَاجَرْتُ بِالكُتُبِ

وَلَمْ أَبِعْ قَطُّ مَحْرُوْمًا لِمُغْتَصِبِ

وَلَمْ أَبِعْ مِنْ حُدُوْدِي شِبْرَ مَمْلَكَةٍ

وَلا تَنَقَّلْتُ بِالأَلْقَابِ وَالرُّتَبِ

مُدَرّسٌا كُنْتُ لَمْ أَكْذِبْ عَلَى طِفْلٍ

وَلا اقْتَرَبْتُ مِنَ الأَنْجَاسِ وَالَّلهَبِ

مَنَحْتُ طُلّابَنا كُلَّ الهَوَى والهُدَى

وَكُنْتُ كَالطَّائِرِ المَوْصُوْلِ بِالتَّعَبِ

مُعَلِّمٌا بِتُّ فِي أنشودة

وَصَفَتْ أَخْلَاقَ أُمِّي وَحَلاهَا بَرِيْقُ أَبِي

لأَقْرَأَنّ عَلَيْكُمْ صَفْحَتِي شَرَفِي

وَأُرْسِلَنَّ إِلَيْكُم عِزَّةَ العَرَبِ

لا تَسْأَلُوْا بعد عَنْ أولادكم

أَبَدًا فَإِنَّ ابْنَتَكُمْ نَوَّارَةُ الذَّهَبِ.”

ثم ينتحب في قصيدة “هكذا ننتحر” التي يبدو أنه يتحدث فيها عن حروب يتقاتل فيها عرب ضد عرب ومسلمون ضد مسلمين فيقول:

 “مَا لِيْ أَرَى كُلَّ يَوْمٍ رَوْضَةً حُرِقَتْ

تُدْمِي القُلُوْبَ وَتُبْكِي الطِّفْلَ وَالمُدُنَا؟

مَا كَانَ أَرْوَعَهُمْ لَوْ أَنَّهُمْ رَدَعُوا

حَرْبًا وَصَدّوْا عِدًى أَوْ أَنْقَذُوا وَطَنَا!

نَاحُوا عَلَى الدَّارِ لَمّا شُوْهِدَتْ أَثَرًا

وَمَا رَعوْهَا وَقَدْ صَارَتْ لَهُمْ كَفَنَا

كَوَاهُمُ العُنْفُ حَتّى رَدّهُمْ فِرَقًا وَأُنْبَتَ العُهْرَ واسْتَبْقَى لَهُمْ عَفَنَا”.

 …ليختتمها بوصف ما تمر به الأمة العربية من محنة كبرى: “كَأَنَّمَا المِحْنَةُ الكُبْرَى مُقاَمَرَةٌ- أَوْ قَائِدٌ كلَّمَا ذَمَّيْتُهُ فَتَنَا”.

عناوين القصائد )هكذا ننتحر( و)أعراس الدمار( و)مضرب عن الطعام) و(الأسير الفلسطيني) وغيرها من العناوين المرتبطة بالواقع وما يحدث فيه من مآسٍ يتجرع مرارتها الإنسان العربي… ويختم الشاعر قصيدته (أبحث عن وطن) بالقول:

“وَطَنِي يَئِنُّ بَيْنَ الذِّئَابِ

تَنْهَشُهُ الأَحْقَادُ والرَّزَايَا

تبلُّهُ النِيْرَانُ بِأَسَاطِيْرِ عِشْتَارَ

تُدَنِّسُهُ المُوْمِسُ… أَبْحَثُ عَنْ وَطَنٍ

يداوِي المنكوبينَ

يهزمُ ذيولَ الطّغيانِ

يحضنُ رفاتي… أقبلُكَ وطنِي فِي سورِكَ القديمِ…

وحجرِكَ العتيقِ

وسوقِكَ العباسيِّ…

وشعاعِكَ العكاوِيِّ والدمشقِيّ

وخبزِكَ الحيفاوِيِّ…

ورملِكَ العراقِيِّ…

وَتَحْتَ قدمِكَ المِصْرِيِّ…

ونَعْلِكَ الخليجِيِّ…

أبحثُ عنكَ

بينَ زواريبِ اللعنةِ والشقاءِ…

حتْمًا سأجدُكَ

بينَ ضلوعِ الفقراءِ…

والمعذبينَ..

استخدم الشاعر في معظم قصائده أسلوب القصيدة العربية التقليدية… ملتزما بالقافية والبحور الشعرية، ربما لكي يتواءم مع موضوعه المرتبط بالتاريخ والعروبة وفي محاولة لرد الأماكن إلى أصلها العربي القديم. لغته العربية تتسم بالقوة والجزالة وتصل في بعض الأحيان إلى حد التعقيد الذي يضطره إلى كتابة شروح وتفاسير لبعض الكلمات…. ناهيك عن التلوين الأسلوبي، والتراكيب النحوية والتقديم والتأخير والمباعدة بين المتلازمات لدواع نفسية.. وذكر الرموز التراثية..

ومع ذلك خرج الشاعر على نظام الشطرين في القليل من المواضع ولا سيما في قصائد (اهزم عدوك) و(انهض) و(خيمة لاجئ) و(إن أمت قبلك) وقصيدته المهداة إلى الطفل الرضيع علي دوابشة الذي اغتيل حرقا على أيدي المستوطنين حيث يتدفق الشعر حرا بتنوع إيقاعي وصور رشيقة.

ولا يبذل الشاعر أي محاولة لإخفاء حماسه الشديد وحبه لوطنه الكبير وإخلاصه في الدفاع عن قضاياه.

وربما كان أصدق تعبير عما يتضمنه الكتاب… هو تلك الجملة القصيرة التي يضعها الشاعر في الإهداء المقتضب في بداية النصوص الشعرية.. “أهديه إلى حجر القدس والمقدسيات وعشاق القدس وأحرار العالم وتلك الفتاة الغربية التي تركت وطنها لتستشهد في القدس، مدافعة عن زيتونتها وشرفنا…” في إشارة إلى الأمريكية راشيل كوري التي قتلتها جرافة إسرائيلية عام 2003… وانهارت محادثات السلام بين إسرائيل والفلسطينيين في أبريل نيسان عام 2014 بسبب استمرار الأنشطة الاستيطانية الإسرائيلية في الأراضي المحتلة بالضفة الغربية.

يسعى الموسى في سطور شعرية وأبيات تقطر مرارة وتمردا على الواقع العبور فوق جسر المرارات واستشراف مستقبل ينعم فيه الإنسان العربي بالحرية والخلاص من الاستعمار بكافة صوره وأشكاله.

الديوان مادة خصبة للدراسة لأنه مفعم بالثنائيات والجزالة ومفردات التحليل النفسي وأدوات الحرب والأمكنة والإشارات والرموز مستقيا بعض مفرداته وأدواته من الواقع الحالي والبعض الآخر من التراث العربي القديم.

(تحرير سيف الدين حمدان)

منقول من:

http://ara.reuters.com/article/entertainmentNews/idARAKCN11Z1AW?sp=true

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button