الجمعة 29 مارس, 2024

رواية شرق المتوسط

التّحوّلات والبناء التناقضي في شخصيات رواية شرق المتوسط

د. درّيّة كمال فرحات

doryah-1

        %d8%b9%d8%a8%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%b1%d8%ad%d9%85%d9%86-%d9%85%d9%86%d9%8a%d9%81“شرق المتوسط” رواية للكاتب عبدالرحمن منيف. وللكاتب روايات عدّة منها الأشجار واغتيال مرزوق 1973/ قصة حبّ مجوسيّة 1974/ شرق المتوسط 1975 /النهايات 1977/ حين تركنا الجسر 1979/  سباق المسافات الطويلة 1979 / عالم بلا خرائط بالاشتراك مع جبرا إبراهيم جبرا 1982/ مدن الملح خماسية روائية (1984-1989) / الآن..هنا (أو شرق المتوسط مرة أخرى) 1991/  أرض السواد ثلاثية  1999/ أم النذور 2005(1). وأغلب قصصه تدور حول واقع الوطن العربيّ، فهو كاتب يعيش واقعه ويحبّ أن يرى هذا الوطن يعيش بأمن وسلام.

        وشرق المتوسط تدول حول المعتقلات السّياسيّة، والعذاب الذي يلاقيه سجناء هذه المعتقلات، وتحدّثنا الرّواية عن “رجب” وهو أحد المعتقلين السّياسين، وقد كوّن مع مجموعة من الرّفاق بعض الخلايا السّياسيّة المناوئة للدّولة، وتعرض الرّواية للعذاب الذي يعاني منه “رجب”  في المعتقلات من تعذيب جسدي شائع في السّجون كالضّرب والتّعليق والانفراد، لكن هناك تعذيب من نوع آخر أشدّ قساوة: منها البكارة والكهرباء والكي بجمر السجائر في المواطن الحساسة من الجسم والتّرويع بالإيهام بالإعدام، وهذه الأنواع هي للصامدين من السّجناء.

        charqوقد تعرّض “رجب” لكلّ أنواع التّعذيب هذه، وتوضّح الأحداث بعد ذلك كيف وقّع بطل الرواية على نص البراءة، وهي عبارة عن اعترافه على بعض من اصحابه ، وذلك بعد اشتداد مرض الرّوماتيزم عليه، وكان لأخته ” انيسة ” دور في إقناعه في الخروج من المتعتقل . وتننهي حياة “رجب” بعد عودته من باريس بموته بعد أن يعذّب لأنّه لم يقدّم لهم المعلومات التي يريدونها بل رجع  إلى حياته السّياسيّة .

        وقد صدّر الكاتب روايته بمبادئ من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وايضا بمقطع من شعر شاعر النّضال والحرّيّة “بابلونيرودا “(2)، وربما صدّر المؤلف روايته بهذه الحقوق ليوضّح بأنّ حقوق الإنسان أصبحت تُنتهك في كلّ مكان، حتّى في الدّول التي تناشد بتطبيق هذه الحقوق .

        وشرق المتوسط عبارة عن مشروع مشترك بين “رجب” وأخته “أنيسة” يتبادلان برواية فصولها، فيتحدث “رجب” عن المواقف كما رآها هو أو عرفها، وتكتمل الحادثة عندما تتحدّث “أنيسة” أو العكس، هذا كما في الأحداث التي جرت في الخارج في أثناء سجنه، فهو لم يعرف كلّ ما حدث مع حبيبته “هدى” ، لأنّ أخته لم تخبره، لكننا عرفنا ما حدث ” لهدى” وكيف أنّها تركت “رجب” أو أُجبرت على تركه بعد دخوله السّجن من خلال حديث ” أنيسة” .

        وقد اعتمدت الرّواية في زمنها من المنتصف أي ” بدء الحوادث من منتصفها، ثمّ ردّ كلّ حادثة تجري إلى الأسباب التي أدّت إليها، وعكس الحاضر على الماضي” (3)، حيث نرى “رجب” وهو على (أسيلوس) الباخرة التي نقلته إلى باريس، وعلى متنها يبدأ “رجب” بالتّماهي مع الباخرة ، فيجعلها تمرّ بالعذاب ذاته الذي مرّ به، ويحذّرها من أن ترسو على ميناء شرق المتوسط، لأنّها ستلاقي العذاب، وفي مناجاته مع الباخرة، يتذكّر ما مرّ به في السّجن، أي استخدم أسلوب الرّجعات “الفلاش باك”. وأيضًا اتّبعت ” أنيسة” الطرّيقة عينها في التّحدّث. ومن الملاحظ أنّ بعض الحوادث لا تكتمل في وقتها ، أي أنّ “رجب” لا يتذكّر الموقف كلّه في الوقت نفسه، بل يكمله في موقف آخر، أو أنّ ” أنيسة ” هي التي تكمل ما حدث، ويمكن أن يكون هذا من العناصر التي جعلت الرّواية مشوّقة. والنّقطة المحورية في الرّواية هي توقيع “رجب” على نصّ البراءة الذي عدّه بعد ذلك إعلان وفاته. فمن هذه النقطة تبدأ حوادث الرّواية.

        فبعد توقيع هذه الورقة وخروج “رجب” من السّجن يدرك فداحة ما فعل، عرف أنّ أخته ” أنيسة” أخذت تصوّر له الحياة في الخارج فيقول “أنيسة التي دمّرت حياتي جعلت أيامي الأخيرة في السّجن جحيمًا كانت تنقل إليّ حقارات العالم الخارجيّ”(4)، فنقلت له ما جرى لأصحابه، فأحدهم جنّ ، والآخر أصيب بالشّلل، ولم تخبره سبب موت أمّه. لكن ” أنيسة” شعرت بالنّدم لأنّها كانت وراء موافقة “رجب” على خروجه من السّجن، واعتقدت بأنّه سيشعر بالسّعادة. لكنّ حياته تدمّرت، فلم يعد كما كان، فسنون السّجن الخمس قد غيّرت طبائعه.

        ومن الحوادث المهمّة في الرّواية عندما طلب “رجب” من أخته ومن زوجها ” حامد ” أن يكتبا عن التّعذيب فمن كتابات أنيسة وحامد وابنهما عادل وكتابات “رجب” أيضًا جاءت شرق المتوسط. وهناك القرار الحاسم الذي اتّخذه بطل الرّواية حين قرّر العودة إلى الوطن، فبعد أن قرر الذّهاب إلى جنيف يعدل عن رأيه ويعود إلى وطنه لأنّ زوج أخته ” حامد” قد اُعتقل فقرر العودة إلى وطنه . وربما كانت هذه أهم حوادث الرّواية التي تطوّرت حولها سلسلة من المواقف .

        ورواية شرق المتوسط تركّز على “رجب” فهو الشّخصية الرّئيسة في الرّواية  فكلّ الحوادث تدور حوله ” فكلّ ما يحدث في القصة من أحداث لا بدّ من أن يمسّها من قريب أو من بعيد ويؤثر في تلوينها بألوان جديدة “(5) ، فجميع أنواع التّعذيب التي أراد الكاتب أن يصوّرها لنا وصفها في “رجب”  بصورة طبيعيّة، ونلمس في شرق المتوسط أنّ “رجب” كان يتكلّم بلسانه هو فلم يكلّفه الكاتب بمواقف لا تتلاءم مع شخصيته، فهو شاب مثقّف له اتّجاهاته السّياسيّة، وكانت له علاقة حبّ مع “هدى”، لكن بسبب دخوله السّجن لم تستطع أن تقاوم أهلها فرضيت بالزّواج من شخص آخر. وأيضًا فعلاقة “رجب” بأمّه وأخته كانت علاقة عادية أو طبيعيّة خصوصًا بعد أن تخلّى الأخ الأكبر عنهما ، فرجب يكنّ الحبّ لأمّه وكان مطيعًا لها. من هنا نعرف أنّه كان طبيعيًّا قبل دخوله المعتقل أو السّجن ، تتحدث “أنيسة” عنه  ” إنّ رجب  الآن ليس رجب الذي أعرفه تغيّر كثيرًا كان فظًّا وهو يصرخ في وجه عادل ويطلب منه أن يقول للّذين جاءوا بأنّه غائب ولن يعود قبل منتصف اللّيل “(6) .

        أمّا ” أنيسة” أخت “رجب” فقد كان لها في وقائع الرّواية  وأحداثها الضلع الكبير، فعلى لسانها تجري بعض حوادث الرّواية . وهي تحبّ أخيها، وهذا شيء طبيعيٌّ، لهذا حاولت أن تخرجه من السّجن، فأخذت تصوّر لرجب بعض المواقف الخارجيّة التي جعلته يفكّر في الخروج، ونلاحظ أنّ ” أنيسة ” قد تغيّرت بعد وفاة أمّها، فكانت سابقًا لا تهتم بالقيم التي تقتنع بها والدتها، أو قيم “رجب”، فهي لم تُكمل دراستها لتعين والدتها، وكانت لا تُجاهر برأيها، بل تحتفظ به لنفسها “كنت أتصوّر أنّ ما تفعله أمّي يسيء إلينا كلّنا وإلى رجب بشكل خاص، كنت أعتبر موقف رجب خاطئًا منذ البداية، إذ ما فائدة العمل الذي تقوم به ؟ وهل يستحق هذه السّنين الطّويلة التي يقضيها في السّجن، وأمّي ماذا يجدي أن تذهب من بيت لآخر، والسّجناء في سجنهم بعد أن صدر عليهم الحكم ؟ كنت أتصوّر الأمر خطأ، ولكن ظلّت تصوّراتي تنام في صدري لم أقلها لأحد حتى لحامد وهو يسخر من السّياسة ” (7).

        ولكن بعد وفاة الأمّ اقتبست ” أنيسة ” شخصية أمّها، أي تقمّصت دورها، وإنْ لم تستمر فترة طويلة إذ أن الهواجس بدأت تنتابها، وبدأ الخوف على أخيها رجب، فأصبحت ترغب في أن تراه فقط بجانبها، لهذا وضعت خطّة محكمة ، استطاعت أن تُخرج “رجب” من السّجن، فكانت تبكي أمامه وتقول له ” باسل جنّ أصبح يدور في الشّوراع عاريًا، خالد فقد عينيه نتيجة الضّرب … ومحسن أُصيب بالشّلل وعندما حملوه إلى البيت ورأته أمّه ماتت … نعمان انتحر وكلّ النّاس يقولون أنّهم قتلوه بعد محاولة الفرار “(8). كلّ هذا لتبين له أنّ المقاومة لم تعد تنفع،  فمهما يفعلون ستبقى السّلطة فوقهم حتّى وإنْ مات في السّجن فلن يتغيّر شيء . وتحدّثه أيضًا عن العالم الخارجيّ كأنّه جنّة لمن يوقّع على نصّ البراءة ، لهذا نراه يغضب بعد أن يعرف سبب وفاة والدته ويقول لها ” أنت مجرمة يا أنيسة لماذا لم تقولي هذا وأنا في السّجن “(9) ، ويؤكّد أنّه كان بحاجة إلى أنْ يعرف سبب وفاة والدته .

        وبعد خروج  “رجب” من السّجن تبدأ المرحلة الثّالثة لأنيسة، فالأحداث تفاجأها، فهي لم تعد تعرف “رجب” ، خصوصًا عندما عرفت برغبته في السّفر، من هنا تحوّلت ” أنيسة ” إلى الإيجاب بعد أن كانت سلبيّة، فأدركت مدى فداحة خطأها عندما سعت إلى إخراج أخيها، فهي قد دمرّته، وقد شعرت بإحساس عبّرت عنه بتعبير رائع ” أحسّ تغييرًا في كياني لم أحسّ بمثله حتّى عندما كنت حاملًا، حملت أربع مرّات، وفي المرّات الأربع كان الجنين في بطني وهو يتحرّك يغيّر مشاعري يجعلها مضطربة وخائفة ولكن لمَ أحسّ أنّ شيئًا فيّ يموت، هذه المرّة أحسّ أنّ شيئًا يموت “(10) . ومن التّصرّفات المتقلّبة في مواقف ” أنسية ” التّعامل مع السّلطة ، وعندما تكلّم زوجها ” حامد ” عن مقتل أخيها لامته على ذلك، وأيضًا فقد منعت ابنها “عادل” من أن يصنع القذائف اليدويّة.

        وفي الرّواية شخصية أخرى يمكن أن تكون على النّقيض من شخصية ” أنيسة ” هي شخصية الأمّ ، فهما لا تقلّان عن بعضهما قوّة ، لكنّهما متنافرتان منافرة النقيض لنقيضه . فوالدة “رجب” ترملّت، وكان لديها ولدان وبنت، فبدأت تخيط الملابس لكي تعيل أولادها، لكنّها حقدت على ابنها الأكبر عندما قال ” لو كنت أصبّ نقودي في بالوعة لامتلأت “(11)، قالها عند مغادرته البيت، ولهذا صبّت كلّ جهودها على “رجب” تعلّمه، فإذا كبر تلقته السّجون، ومع هذا كان تصرّف أمّ رجب تصرّفًّا إيجابيًّا، حيث كانت تحثّ ابنها على النّضال ، وعدم الاعتراف، لأنّ في هذا خيانة وبعدًا عن الشّرف، وهي التي ربّته على المثل، وعلّمته كيف يكون رجلًا، فكانت تشدّ من أزره وهو في سجنه ” اسمع يا رجب أنا أمّك وأنت قطعة من لحمي وليس في هذه الدّنيا أحد يُعزّك مثلي … ماذا تقول غدًا إذا اعترفت وخرجت ؟ الحبس يا ولدي ينقضي ، فتّح عينًا واغمض عينًا تمرّ الأيام وتبقى رافعًا رأسك إذا اعترفت فكلّهم سيقولون خائن ولايستطيع أن تنظر في وجه أحد، خذ بالك يا ولدي” (12).

        وكانت ترفض الأمّ تصرّف بعض الأمّهات اللواتي يبكينَ عندما يرينَ أبناءهنّ في السّجون، فتقول بأنّ هذا يُضعف من عزيمة الأبناء. أمّا هي فكانت تبتسم في وجه ابنها على الرّغم من الآلام التي تعانيها. ومع هذا فلم يجعلها الكاتب أمًّا خياليّة أو مثاليّة، فهي وإنْ حثّت ابنها على المقاومة فقد روادتها لحظات الضّعف الأمومي، فتقول ” أنيسة” في خلال ذكرياتها عن أمّها ” كانت تقول لي رأيتُ منامًا يا أنيسة رأيت “رجب” عريسًا ، طنّت أذني اليسرى يا أنيسة، لا بدّ أنّ رجب يواجه مصاعب، ألا تظنين ذلك ، قلب الأم لا يخطئ، قلبي يقول لي أنّ رجب مريض ” (13). من هذا الضّعف نعرف أنّ إحساس الأمّومة هو الذي يتكلّم ، وتتمثّل طبيعة كلّ أمّ تجزع وتخاف على ابنها، ومع هذا فهي تحافظ على شرف ابنها ولاتحبّ أنّ تفرّط به .

        لهذا فهي تمنع ” أنيسة ” من أن تبكي أمام “رجب” وتقول لها ” البكاء يهدّ أكبر الرّجال وأقسى ضربة توجّه لرجل أن يرى أمّه أو أخته تبكي أمامه ” (14)، وكان رأيها صائبًا ، فبعد وفاتها ببضع سنوات انهار “رجب” ، وخضع لضغوطات كلّ من حوله : من أخته إلى عمته وأخيه أسعد وزوج أخته حامد ، فوقع على نصّ البراءة ليخرج من السّجن . وقد عرف “رجب” بعد هذا مدى صواب رأي أمّه، ففي أوراقه التي كان يكتبها قال لأمّه ” أودّعك الآن واغفري لي ، وبصوت يمزّقه الأسى أسألك هل يمكن ليديكِ أن تستقبلا رجلًا سقط ويحاول من جديد حتّى بعد سقوطه أن يتطهر “(15) . من هنا نلمس أنّ شخصية فذّة استطاعت أن تبني رجلًا .

        أمّا شخصية ” حامد” زوج ” أنيسة” فقد تغيّرت حاله، فبعد أن كان يسخر من السّياسة ومن العاملين بالسّياسة، وحاول أن يُخرج “رجب” من السّجن عن طريق الواسطة، أصبح من العاملين فيها، وذلك بعد أن جعلته السلطة مسؤولًا عن عودة “رجب”، وكان لحامد عمل بطوليّ حيث رفض عودة “رجب”، ولم يُخبره عن طلب السلطة ورضي أن يُسجن بدلًا منه، من هنا نرى أنّ العنف هو الذي حوّل حامد وأنيسة من موقفهما السلبيّ إلى الموقف الإيجابي ، وقد سُجن “حامد”  سنة وأربعة شهور بعد وفاة “رجب”، وتُنهي ” أنيسة” كلامها عن زوجها بأنّه ما زال يبتسم على الرّغم من سجنه ويطلب رؤية أبنائه .

        ونلاحظ أنّ عبد الرّحمن منيف استعمل أسلوب العرض على النّقيض أحيانًا من خلال شخصية واحدة كما في” حامد” حيث تغيّرت طبائعه بعد خروج “رجب” من السّجن، ويمكن أن تكون ” أنيسة” قد تغيّرت أيضًا بعد خروج أخيها من السّجن. وأحيانًا يعرض النقيض من خلال شخصيتين ، فمثلًا “رجب” كان يناقض أخاه ” أسعد ” ، والأم تناقض ” أنيسة “.  وبرزت   في رواية شرق المتوسط شخصيات كانت تمثّل الدور المساعد، كرفاق “رجب” في السّجن، أو ” الأغا ” أو النّوري وهو مدير السّجن، والجلادين . ونقف هنا وقفة أمام وصف “رجب” لهؤلاء الجلادين، فقد نزع عنهم صفة الإنسانيّة فهم ليسوا من جنس الإنسان ” يقفزون مثل الذئاب إذا سمعوا خطوات تقترب ” (16)، ووصف النّوري بقوله ” قصير .. شفته السّفلى مرتخية يتدفق الشّعر الأسود كشلال على يديه” (17)، وقد أدّت شخصية النوري عنصر التّشويق في القصة، و” تعتبر الشّخصية الإنسانيّة مصدر إمتاع وتشويق في القصة لعوامل كثيرة؛ منها انّ هناك ميلًا طبيعيًّا عند كلّ إنسان، إلى التّحليل النّفسيّ، ودراسة الشّخصية” (18). والنّوري شخصية غريبة النّموذج، فعلى الرّغم من قسوته على المساجين فهو رقيق مع العصافير التي يربّيها في مكتبه، ويقول “رجب” في هذا الأمر ” يحبّ طيوره يُطعمها بيديه، يقف طويلًا يتأمّل ريشها الأصفر، مناقيرها التي تنغمس في فنجان الماء الأبيض، كانت ابتسامة الفرح تطفو على وجهه “(19). وهناك الكثير من الشّخصيات الثّانويّة كالعمة و” أسعد” أخو “رجب” والصّديق الذي جلب رسالة من “رجب” إلى أخته ” أنيسة” .

        وفي إشارة إلى لغة التحوّلات التي لحقت أبطال الرواية نرى أنّ الرّواية قد خلت من الكلام العاميّ سواء في السّرد أو الوصف أو في الحوار، وربما يعود هذا لأنّ الكاتب عبدالرّحمن منيف لم يحدّد عن أي دولة من الوطن العربيّ يتكلّم، فهو يقصد الشّرق المتوسط كلّه . والملاحظ أنّ الكاتب يكثر في رواياته وخصوصًا شرق المتوسط من ذكر الكلمات النّابيّة والشّتائم، وربما هي ضرورة في هذه الرّواية لأنّ هذه الشّتائم أسلوب الجلادين والأغا، وكما وصفهم “رجب” بأنّهم فقدوا إنسانيتهم. واعتمد عبدالرحمن منيف في التّحليل على الوصف وعلى الذّكريات التي تعاود ” أنيسة” و”رجب” . وكما تبين آنفًا فإنّ كلّ من شخصيات الرّواية قد تكلّمت بلغتها هي وليس بلغة الكاتب، فالمستوى الثّقافي لأنيسة يختلف عن “رجب” خصوصًا أنّها لم تُكمل تعليمها، وأيضًا فهي لم تكن راغبة في قراءة الكتب التي يُعطيها أياها “رجب”، لهذا نلمس الفرق بينهما، وأيضًا فمستوى الجلادين ليس راقيًا ، لهذا كانت لغتهم سوقية ومبتذلة. وختامًا يمكن القول إنّ رواية شرق المتوسط إضافة إلى قيمتها الفنية الروائيّة التي اكتسبتها فلها قيمة وثائقيّة، وتعدّ شهادة إدانة ضدّ المعتقلات السّياسيّة، ويمكن أن تكون ورقة ضدّ الذين يتكلّمون عن الحرية وعن حقوق الإنسان .

الهوامش :

  • موقع ويكيبيديا ، الموسوعة الحرة . http://ar.wikipedia.org/wiki.
  • بابلونيرودا (1904-1973) شاعر دبلوماسي شيلي. يعدّ من أعظم شعراء أمريكا اللاتينية المعاصرين. تمتاز قصائده بالرّومانسيّة والسّيرياليّة وتزخر بالصّور الحسيّة. حصل على جائزة نوبل للآداب 1971. قتل أثناء انقلاب 1973 في شيلي.

مجموعة من الكتّاب،الموسوعة العربيّة الميسرة، مج 4، ص 2502

  • محمد يوسف نجم . فن القصة . بيروت، دار الثّقافة ، ط 7 ، 1997، ص 38.
  • عبد الرّحمن منيف.  شرق المتوسط .  بيروت ، المؤسسة العربيّة للدّراسات والنّشر، ط 18 ، 2014،  ص 44.
  • محمد يوسف نجم . فن القصة . ص 21.
  • عبد الرّحمن منيف. شرق المتوسط . ص 58.
  • عبد الرّحمن منيف. شرق المتوسط . ص 78.
  • عبد الرّحمن منيف. شرق المتوسط . ص 44.
  • عبد الرّحمن منيف. شرق المتوسط . ص 90 .
  • – عبد الرّحمن منيف. شرق المتوسط . ص 181 .
  • – عبد الرّحمن منيف. شرق المتوسط . ص 11.
  • – عبد الرّحمن منيف. شرق المتوسط . ص 49.
  • – عبد الرّحمن منيف. شرق المتوسط . ص 182.
  • – عبد الرّحمن منيف. شرق المتوسط . ص 109- 110
  • – عبد الرّحمن منيف. شرق المتوسط . ص 196.
  • – عبد الرّحمن منيف. شرق المتوسط . ص 72.
  • – عبد الرّحمن منيف. شرق المتوسط . ص 139.
  • – محمد يوسف نجم . فن القصة . ص 51.
  • – عبد الرّحمن منيف. شرق المتوسط . 140.

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *