حنين…
عبد العزيز المقالح*
ـ 1 ـ
زمني ليس هذا
أقول لنفسي
ومن حقها الآن أن تبدأ
الاختيار
(وترفض كلية) واقعاً ومجازاً
خطيئة هذا الزمان
الذي لا زمان به
والهواء الذي لا هواء به،
زمنٌ تأسن الروح فيه
وتأسن في مائه
الكلماتْ
ـ 2 ـ
صار من حقي الآن
أن أرفض الزمن المتعفن
أرفض هذي الحياة المملة
أن أرفض الشمس
والليل
أن أهجرَ العصرَ والناس
أهجرَ شيخوختي
وأعودُ لأرضِ الطفولة
نحو زمانٍ ألذّ وأشهى
إلى زمن كان لي،
عشت أحمله في تلافيف
عمري.
ـ 3 ـ
زمنٌ كان لي
ثم ألقى عصاه
توقف بي
حينما كنت في العاشرة.
كان عذباً كأغنية
وبريئاً كطفلٍ
نقياً كعطرٍ
ندياً كقبلة أمي
شفيفاً كوجه السماء
إذا غسلتها ملائكةُ الله
في ضحوةٍ صافية
ـ 4 ـ
دعوني أشد الرحال إلى زمن آخر
لا أريد زماناً بغياً
أطاحت به الحرب
واستنقعت روحَهُ
ليس بي رغبة في الطريق المسفلت
بالدم
أو رغبة في بريق «النيون» الذي يشبه الدم
هيا خذوني إلى زمني
وخذوا كل ما امتلكته يداي
خذوا ـ إن أردتم ـ مفاتيح سيارتي
ومفاتيح مكتبتي
ودعوني لأمشي على قدمي
مثلما كنت حراً طليقاً
بلا واسطة.
ـ 5 ـ
أنا لا أرفض الزمن المتعفن
بل والمكان الذي حكمته العفونة
(… تلك المدينة) لؤلؤة القلب كانت
وهبت لها ذنوبَ شعري
وأودعتها شغفي وهواي
ولكنهم أفرغوها من الحب
والضوء
حتماً سأتركها
وأعود إلى قريتي
وإلى ذكرياتي
إلى ظل «تالوقة»
كنت آوي إلى دفنها
ونقشت على جذعها المتقدم
أول حرف
من اسم الإله.
ـ 6 ـ
كنتُ أمضي مع جدتي
في الصباحات/ نحو الحقول الغنية بالضوءِ
تسبق خطواتِنا البقراتُ الثلاث
إلى النبع
كانت تسير الهوينا
لتقضم عشباً هناك
وعشباً هنا..
في العشيّات تحملني جدتي
لأرى كيف تملأ (سطل) الحليب
على ضوء مسرجة
خافتة!
ـ 7 ـ
زمني هو هذا الذي
يتشكل في الحلم
يزهو بألوانه
ومراياهْ
لا تسأم الروح ماء حكاياته
ولذيذ أساطيره
حين يحلو الحديث
على نتفةٍ من وميض النجوم،
وتنطلق السيدات المسنّات
في ساحة الحي
يروين أشهى الحكايات
في لغة آسرة.
ـــــــــــــــــــــــــ
* شاعر يمني
نشرت القصيدة في جريدة السفير بتاريخ 2015-07-24 على الصفحة رقم 9 – السفير الثقافي