حدود التشابه .. شواهد الانتحال
حدود التشابه .. شواهد الانتحال
دراسة مقارنة لرواية “السيميائي” لباولو كويلهو
محمد الدسوقي
صدر مؤخراً في القاهرة العمل الجديد للناقد والكاتب محمد الدسوقي وهو دراسة مقارنة لرواية “السيميائي” لباولو كويلهو، وسيعرض الكتاب في معرض القاهرة للكتاب هذه السنة فى الفترة من 27 يناير/كانون الثاني الجارى ويستمر إلى 10 فبراير/ شباط.
تنشر “مدارك ثقافية” مقدمة البحث نظراً لأهمية ما قام به الكاتب وما رغب التأشير إليه، على أمل أن يتيسر لنا قراءة كاملة للبحث وأهم النقاط التي أشار إليها.
المقدمة
من الحقائق المسّلم بها، على الأقل، في النصف الثاني من القرن العشرين، أن الرواية العربية تأثرت كثيرا بالرواية الغربية، وبالمدارس الأوروبية، تحديداً، في استحداث أساليب وتقنيات لم يكن يعرفها الأدب العربي من قبل، ولعل هذا التأثير وصل إلى مرحلته النهائية، أي أن الرواية العربية تخطت عمر طفولتها، وتبعيتها الفنية، وباتت لها محاولاتها الخاصة عبر موضوعات، وثيمات، وأفكار مختلفة، جعلت لها خصوصية تكمن فيما تتكئ عليه من تراث، وطرق معالجة، وأساليب فنية، وبناء لغوي متكامل، ما جعلها قادرة على مواكبة كل جديد، وجعل التبادل ـ تأثيرا وتأثرا ـ مسألة واقعية وقائمة بيننا وبين الغرب على حد سواء، ولعلنا في هذه الدراسة المقارنة سنبيّن مدى تأثر رواية ـ السيميائي ـ لباولو كويلهو بأدبنا العربي، وإن كانت ليست غربية خالصة تماماً، ولكن شهرة كاتبها أخذت طابعاً عالمياً، ولهذا لن نجدها شبيهة بالرواية البرازيلية الخالصة، فالرواية البرازيلية رغم عدم شهرة كتابها في عالمنا العربي، إلاّ أنها منذ ستينيات القرن الماضي قد بدأت في الظهور، وبدأنا نعرف أسماء مهمة من كبار كتابها، أمثال أنطونيو كايادو، أو ايريكو فيرسيمو، وإيفان إنجلو، ممن شكّلوا أدباً برازيلياً خالصاً، فاهتموا بالغوص في أعماق الشخصية البرازيلية، واعتمدوا على ما وراء الواقع، وأظهروا البرازيل بوجهها الحقيقي، كما وصفهم الناقد السوري د/ شاكر مصطفى في كتابه “الأدب في البرازيل” الصادر في مايو 1986 (سلسلة عالم المعرفة) وهو ما ليس متحققاً في كتابة باولو كويلهو، ولكنها ـ أي روايته ـ دالة على مدى تأثر الآخر بآدابنا في العصر الحاضر، وهذه الرواية من الوهلة الأولى توحي بتأثرها بحكاية من حكايات السندباد في ألف ليلة وليلة، وهي طريق سهلة على معظم الكتّاب، في عصر تعددت فيه أساليب التناص، وما شابهه من اتجاهات مسموح فيها للكاتب بالتحاور، أو التجاور معها، على أن يكون هذا عبر منطق فني ومبرر إبداعي، ولا يفوتني هنا أن أشير إلى أن السيمياء، تعد نوعاً من التطور من العلم التطبيقي البحت إلى السحر والخرافات، والتطلع إلى المستحيل، والسيميائية اكتسبت دلالتها الجديدة التي أخرجتها من سياقات الكيميائيين إلى سياقات اللسانيين، ولهذا أطلق العلماء العرب على هذا العلم اسم السيموطيقا طبقاً للمفهوم الأمريكي، وترجموه إلى العربية باسم السيميائية، أو عالم الرموز أو الاشارات أو العلامات، والسيمياء مفردة عربيّة كما يقول الدكتور معجب الزهراني “ترتبط بحقلٍ دلالي لغوي ـ ثقافي، يحضر معها فيه كلمات مثل: السِّمَة، والتسمية، والوسام، والوسم، والمِيسم، والسِّيماء والسيمياء بالقصر والمد والعلامة”. وتنتمي السيمياء ـ أيَّاً كانت التسمية ـ في أصولها ومنهجيتها إلى البنيوية، إذ البنيوية نفسها منهج منتظم لدراسة الأنظمة الإشارية المختلفة في الثقافة العامة”.
أما الانتحال الذي أردته في دراستي هذه، فيعني النقل، وفي معجم المعاني نجد مصدر انتحل بمعنى محاكاة شخص للغة ومعاني وأفكار مؤلف آخر، وتقديمها كما لو كانت من بنات أفكاره، وقد أراها مرادفة للسرقة الأدبية، وقد يقول القائل إن كل نص يتكون من خطابات أو نصوص أخرى سابقة، ويتقاطع معها بصورة ظاهرة أو خفية، ولا وجود لنص خال من نص آخر.
ثم هذه رؤية نقدية قد أنجح فيها وقد لا أنجح، ولكنها بالضرورة ستكون إضافة، لأنها حرّكت الراكد، وقلّبت الأرض، خاصة وأن “فساد الأمكنة” ـ قد تحولت إلى منجم يأخذ منه القاصي والداني، بطريقة أو بأخرى، دون أن يشير أحد إلى حدوث هذا الأخذ من قريب أو بعيد، وللقارئ الحق في إعادة القراءة ليرى إلى أي حد نجحنا فيما زعمنا، خاصة وأن كثيراً من المتخصصين قد أشادوا برواية “السيميائي”، واتفقوا على أنها تحمل قيمة إبداعية، كما أن أول مترجم لها إلى العربية ـ بهاء طاهر ـ أكّد أن شيئاً ما يربط بين هذه الرواية وبين قصته “أنا الملك جئت” التي سبقتها منشورة، ولم تترجم إلى أي لغة غير العربية، وهو ما دفعنا للبحث بصورة أوسع عن مدى صحة ما يشير إليه المترجم، حتى اكتشفنا أننا بحاجة لقراءة مغايرة للرواية، ولروايات أخرى قريبة منها، بناء وتمثيلا، وبخاصة رواية “واحة الغروب”، للمترجم نفسه، والصادرة في العام 2008، والتي حصلت على جائزة البوكر العالمية للكتّاب العرب، وعلاقة هذه الروايات، أي “السيميائي”، و”أنا الملك جئت”، ومعها “واحة الغروب” بالرواية السابقة عليهم ـ الرواية الأصل ـ “فساد الأمكنة” ـ إذ يبدو لنا أنها البذرة التي أنبتت كل هذه الفروع اليانعة!!!.