الجمعة 29 مارس, 2024

«بستان كرز» لبناني.. تدمير التراث

«بستان كرز» لبناني.. تدمير التراث الأبوي

فاتن حموي

f8461ad9-4357-4734-866f-bf5209a587c5غادر لبنان في السبعينيات هرباً من الحرب وعاش وتلقى علومه في فرنسا حيث قدّم نجاحات مسرحية عدّة، وكان أحد أحلامه ومشاريعه هوالعودة إلى لبنان فنياً، فكانت العودة العام الماضي حيث قدّم مسرحية «مجزرة» من إخراجه وكتابة الفرنسية المعروفة ياسمينا ريزا، ونالت هذه المسرحية استحسان النقّاد والجمهور على حد سواء، ليعود الممثل والمخرج كارلوس شاهين ليخوض تجربته المسرحية الثانية في بلده الأم، حاملاً معه إحدى روائع تشيخوف المسرحية «بستان الكرز» ليعرضها على خشبة مسرح المدينة مساء العاشر من الجاري وتستمر حتى الثاني والعشرين منه،
ويشارك في هذا العمل رندة الأسمر، جويس أبو جودة، كارول الحاج، علي سعد، جوزيف زيتوني، موريس معلوف، سينتيا كرم، هادي دعيبس، سيرينا شامي، حسام الصبّاح، فؤاد يمين وسارة بيطار.

يعزو شاهين اختياره لرائعة تشيخوف لأسباب عدّة منها أنّها تشكّل مشروعه الفني منذ سنوات، إذ يحاول العمل عليها لتقديمها في فيلم روائي طويل، ولكن العمل عليه كمسرحية ليس تعويضاً عن الفيلم بل حلم موازٍ، «أعترف بصعوبة هذا النص ولكن الإنتاج هو الذي يحول دون أن يتحوّل هذا الحلم إلى حقيقة سينمائية، لكنني لن أملّ من المثابرة. وآسف لأن الغرب ينتظر من اللبنانيين تقديم مواضيع عن المرأة أو المخدرات أو الصراع المسيحي المسلم، أو الحرب وداعش وتأثير ما يجري في المنطقة للمساهمة في الإنتاج، ولا يقبل المنتجون أن يقدّم لبناني عملاً عميقاً لا يرتبط بالمواضيع التي يرغبون بالإضاءة عليها. لم يكن هذا السبب الذي دفعني إلى العمل على المسرحية بالطبع، فشغفي الأساس هو لنص تشيخوف، من هنا وقع الاختيار عليه بعد أن أخافني الكثيرون قبل خوضي تجربتي المسرحية الأولى من الجمهور اللبناني، منهم من قال إن جمهور المسرح لا يريد سوى التسلية ولا يرغب بمواضيع عميقة، ووجدت العكس، إذ أرى أنّ المسرح يحاكي الجمهور بعمق ويسلي في الوقت نفسه وهناك من يتلقّف بشغف ما نقدّمه».

شاهين يشرح نظرته إلى المسرح بالقول إنّ العلاقة الأساسية للمسرح ترتبط بالنص والكلمة، بينما السينما لها علاقة بالصورة، «الأهم بالنسبة إليّ في العمل المسرحي أن يصل النص إلى الجمهور وأن يفرح بالقصة، تشيخوف في «بستان الكرز» هو أهم ويأتي قبل شاهين المخرج، عليّ أن أحبّه لأقدّم نصّه وأوصل رسالته، وأن نتسلى ونحن نعمل ونتابع العمل. في كلّ عمل مسرحي علينا أن نتعرّف إلى نص وكاتب وعالم جديد»، وفي موازاة العمل على «بستان الكرز» يصوّر شاهين بمعية المخرج غسان سلهب فيلماً وثائقياً عن المسرحية نفسها، «نركّز في الفيلم على مجيئي من المنفى إلى بلدي الأم لتقديم هذه المسرحية بالذات، وعن معاني «بستان الكرز» بالنسبة إليّ وعالم طفولتي الذي أعود إليه بهذا العمل».

يشرح شاهين عن تعلّقه بنص تشيخوف ويروي باختصار قصته العميقة جداً والمؤثرة والمسلية في آن؛ «هي قصة عائلة إقطاعية روسية في العام 1900 تملك بستان كرز، يعتبرها الأبناء قطعة من لحمهم، إلا أن إفلاس العائلة يدفع بالبعض إلى اقتراح فرز الأراضي لبيعها إلى المصطافين، وبعضهم لا يقبل بتدمير البستان، إلا أن ابن الفلاح الثري سيشتري البستان ويدمّره. تذكرني هذه القصة بجدي الفلاح الذي سافر في العام 1900 إلى نيويورك وكوبا وأفريقيا بحثاً عن المال، وأصبح ثرياً وورث ابنه أي والدي عنه التجارة وأصبح ثرياً، وأمي التي تنتمي إلى عائلة إقطاعية أفلست، القصص متشابهة، وهي تركيبة لبنان التي لم نخرج من طابعها الإقطاعي. أمّا المسرحية فتدور أحداثها في لبنان الخمسينيات، فترة ما بعد الاستقلال حيث كان مستقبل هذا البلد واعداً، الشيخة ليلى امرأة مثيرة تعيش في باريس مع عشيقها، تعود الى المكان الذي ترعرعت فيه، بستان الكرز، كي تطرحه بالمزاد العلني. يقع هذا البستان في الريف اللبناني وَسُمِّي ببستان الكرز بحكم أنه تحيطه بساتين من الكرز، وسليم تاجر ثري، ابن فلاح كان يعمل لمصلحة المشايخ ينصحهم بقطع أشجار الكرز وبناء بيوت فخمة للمصطافين الجدد، حيث يكون مشروعاً مالياً مربحاً، يوفي لهم ديونهم ويصبحون أثرياء من جديد. وكان سليم مستعداً لمساعدتهم للقيام بذلك. لكن بالنسبة إلى الأرملة وشقيقها إبادة البستان وجنائنه من المستحيلات، ترفض بأن تكون جزءاً من هذا العالم الجديد الذي لا أسس تحترم فيه وهي عاجزة أمام هذه الحقيقة. الشيخة ليلى والشيخ كميل لا يعلمون ما يفعلون، يفضلون ان يغمضوا أعينهم ليستفيدوا من اللحظات الأخيرة قبل وقوع الفاجعة». شاهين يرى أنّ دور ابن الفلاح الذي سيشتري البستان ويدمّره هو أكثر الشخصيات التي يتعاطف معها في العمل، «دوره مؤلم لأن انتصاره دمار لما تعذّب والده ليبنيه، ولأنّه مجبر على تخريب الجمال وليس من حلّ آخر».

يضيف شاهين أنّ العمل على ترجمة النص إلى العربية بدأ منذ سبعة أشهر، أمّا التمرينات فبدأت في العاشر من آب الماضي، وحول مشاركته كممثل في مسرحيته يقول: «أنا ممثل في الأساس، ولم أجد ممثلاً لدور الشيخ كميل فقرّرت تقديمه، وهي المرة الأولى التي أمثّل فيها بالعربية وفي لبنان، ولكن لم تتعبني هذه التجربة لا بل على العكس سعيد جداً بها لأّن فريق العمل رائع، وكان من الممكن الاستغناء عن لعب أكثر من دور في هذا العمل لو وجد الممثل».

لم يتخذ شاهين قراراً بعرض مسرحيته في فرنسا بعد لبنان، فهو ينتظر ردود الأفعال على عرضها، «سعدت العام الماضي بردود الأفعال من صحافيين وأشخاص يحبون المسرح بذكاء وآمل أن يلقى «بستان الكرز» الأصداء الإيجابية في تلقفها».

نشر هذا المقال في جريدة السفير بتاريخ 2015-10-10 على الصفحة رقم 13 – ثقافة

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *