المنتديات الشعرية والمشهد الثقافي
ندوة جمعية “معاً نعيد البناء” حول:
المنتديات الشعرية والمشهد الثقافي العام في لبنان
أقيمت مساء أمس الجمعة، في مدرجات مسرح بلدية الجديدة، وبدعوة من جمعية “معاً نعيد البناء”، ندوة شارك فيها عدد من رؤساء المنتديات الثقافية في لبنان، بحضور شخصيات فنية وإعلامية وأكاديمية إلى جانب طلاب “الحلقة النقدية الأدبية” من الجامعة اللبنانية. وقدمت الندوة الدكتورة نتالي الخوري غريب ونسقتها الدكتورة كريستيان صليبا.
استعرض المداخلون ، رؤساء المنتديات، المراحل التي رافقت تأسيس منتدياتهم وعرضوا تجربتهم وما استخلصوه من هذه التجربة إلى الآن، إلى جانب رؤيتهم في ما قُدم ويقدم على المنبر بخاصة الشعر في أنواعه المختلفة، وأبدو آراءهم في هذا الجنس الأدبي الذي له من الأهمية البالغة في التراث الأدبي العربي، ولاحظوا أن ليس كل ما يقدم في الحقيقة هو شعر بما تعني هذه التسمية من أهمية، حيث الكثير منه يفتقر إلى مقومات القصيدة الفعلية، بخاصة أن وسائل التواصل الاجتماعي لعبت دوراً بارزا في تحفيز الكثيرين من الطامحين من الشباب إلى التصدي إلى هذا الجنس الأدبي، مما جعل الخلط بين الشعر الحقيقي والكلمات النثرية تتداخل في مفهومهم غير الناضج في هذا المجال.
كذلك إلى افتقار الثقافة بوجه عام إلى مساحة إعلامية كافية في كل وسائل الإعلام المرئي والمسموع والُمشاهد، تفيه حقه في المجتمع وعند الرأي العام.
وبعد انتهاء المداخلات دار نقاش بين الحضور والمداخلين حول عدد من النقاط التي أثاروها.
وقد حضر الندوة رؤساء المنتديات:
منتدى “تجاوز” : الدكتور ديزيريه سقّال والشاعر الياس زغيب.
منتدى “ليل وحكي” : الدكتور نزار دندش.
منتدى “زوايا” : الدكتور عماد بدران.
منتدى “قناديل سهرانة: : الدكتور زياد عفيفي والشاعر مارون أبي شقرا.
وكان لرئيس منتدجى “ليل وحكي” الدكتور نزار دندش المداخلة التالية:
إن النقاش هنا على بساطته، معقد جداًً كما هو، أيضا، بالغ الأهمية.
المشاركون ممثلون لمنتديات شعرية في الأساس لها اهتمامات أدبية وفكرية وفنية وثقافية عامة. هذه المنتديات التي أقتنع بأهميتها لأسباب سأوردها في سياق مداخلتي، وقد لا يقتنع بها الكثيرين، والرسميون على وجه الخصوص.
لكل منتدى خصوصياتٍ رافقت تأسيسهُ وأخرى حكمت استمراريتهُ وتطورهُ، لكن هناك ظروف موضوعية مُحبطة، ولو لم تكن ناضجة لما نجح أيّ منتدى، ولما نال اهتمام الجمهور.
من هذه الظروف الموضوعية أذكر ما يلي:
أولاً: الشعب اللبناني يعتبر من أكثر الشعوب شاعرية، وقد سجّل تاريخه بروز شعراء بلغوا شهرة عربية وعالمية، حتى أنه قيل في هذا، إن تحت كل حجر في لبنان شاعراً ينتظر دوره. وقيل إن الشعر بترول لبنان.. وقيل غير ذلك.
ولا يفوتنا أن نتذكر أن عصبية لبنان ما بعد الاستقلال قد نمت في كنف الشعر، والغناء فشعر ملحم كرم وغناء فيروز ووديع الصافي وصباح وغيرهم، خير شاهد على ذلك.
ثانياً: إن حالتَيّ الإحباط السياسي عند البعض والزهوّ السياسي عند بعضٍ آخر، والتي وصل إليهما مثقفو لبنان، قد دفعت جزءاً مهماً إلى مجال الأدب، في الشعر والقصة والرواية، فاختلط حابل الرغبة الجامحة بنابل الحاجة إلى المقومات الأكاديمية المعتمدة. وما زالت الأمور تحل على الطريقة اللبنانية.
ثالثا: لقد دخلت وسائل التواصل الاجتماعي ـ والفيسبوك بخاصة ـ على خط الشعر والاهتمام به: كتابة وقراءة وتواصلاً مع الآخرين، فأدخلت إلى ميدان الشعر كتابة وتذوقاً، شريحة واسعة، حيث جدد البعض مواهبه المتقادمة وراح بعضٌ آخر يبحث عن مواهبه الكامنة.
رابعاً: مما ساعد في تنشيط المنتديات هو الحرية والانفتاح السائدان في لبنان، خلافاً لما هو سائد في الدول العربية، وأنوّه هنا بالحرية النسبية التي تتمتع بها المرأة، مما يسهل لها التنقل والحركة وحضور المناسبات الثقافية في الليل والنهار.
إن هذه الظروف وغيرها، ساعدت، لكنها لم تكن لتفعل فعلها لو لم يتوفر الاندفاع والإرادة والتضحية عند بعض الأشخاص لتوفير مناخات تساعد وتشجع على هذا، وعنيت هنا المنابر في إطار المنتديات.
فلقد سبق انتشار المنتديات بصيغتها الحالية ازدهار لبعض الصالونات الأدبية إلى جانب بعض النوادي المؤسساتية التابعة لمؤسسات أكاديمية أو حتى لجهات سياسية أو بلدية أو نقابية.
المهم في الموضوع الذي نجتمع للبحث فيه هو أن الظروف الموضوعية كانت مؤاتية. ولأن المطلوب منّا هو توصيف ما هو كائن وليس تأسيس ما يجب أن يكون، فقد قررت التعاطي في مداخلتي هذه، مع ما هو موجود على أنه حقيقة قائمة وأمر واقع.
أرى في الأمر حقيقة إيجابية، طبعاً مع تسجيلي لبعض الملاحظات العامة. فأنا ألاحظ مثلاً:
- أن هناك شريحة جديدة يجب البحث في وضعها جدياً، فهناك مجموعة من الشباب والصبايا الذين يودون أن يكونوا شعراء، مع أن ما يكتبونه لا تتوافر فيه الشروط الأكاديمية للشعر. فهل نبحث لهم عن تسميات جديدة أم ماذ؟ هم مجتهدون، يقرأون ويتابعون لكن…. وأنا فعلا لا أملك إجابة لهذا السؤال.
- ألاحظ في كثير من الأحيان ضعفاً واضحا في اللغة عند أناس غير مجتهدين وغير مستعدين لقراءة قاعدة واحدة من قواعد اللغة العربية، وأسجل تخوفي من أن يصل بنا الأمر ـ وبهم ـ إلى كتابة “الشعر” بالأحرف اللاتينية ، أي بلغة الفيسبوك.
- من الخطأ النظر إلى هذه المنتديات على أنها مؤسسات تعليمية تنطبق عليها الضوابط الأكاديمية.
- لكي نكون موضوعيين لا بُد من فهم كل الظروف المحيطة بهذه النشاطات التي تجري في زمن الغناء الهابط والثقافة المأزومة المتقهقرة.
- لا بد أن نأخذ بعين الاعتبار الأهداف المختلفة المتمايزة والمتباينة أحياناً، التي يتراوح نشاطها اللوجستي بين استقبال الضيوف في صالون منزل خاص وبين استقبالهم في مطعم يحدد فيه ثمن الطعام والشراب سلفاً.
بعد ما تقدم، أود الحديث عن تجربة “منتدى ليل وحكي” الخاصة، وتحديداً تجربتي فيه، إذ يمكنني أن أقول:
لقد تاثرت شخصياً بمنتديات ظهرت قبل منتدانا، مثل “زوايا” وهو أول منتدى أحضر فيه أمسية شعرية . ومنتدى جمعية “تجاوز” التي انتسبت إليها وتأثرت بنهجها الأكاديمي . ومنتدى “قناديل سهرانة” الذي تأثرت بجو الصداقة فيه وحميمية العلاقة بين أعضائه وقد انتسبت إليه أيضاً.
لم أكن أفكر بتأسيس منتدى في بداية الأمر، بل كنت أستعد مع زملاء لي لتأسيس مجمع ثقافي فكري لبناني ـ عربي، وعندما تأخر مشروع إطلاق المجمع بسبب بعض الإشكالات ، فكرت بتأسيس منتدى في ضاحية بيروت الجنوبية لأن فيها كثافة من المثقفين الذين لا يستطيعون الوصول إلى منتديات بيروت والجبل لأسباب عدة.
وقد طرجت الفكرة على مجموعة من الشعراء والمثقفين الأصدقاء وطلبت مساعدة من جمعيتي “تجاوز” و “قناديل سهرانة” ، وحصلنا على دعم ومساعدة هاتين الجمعيتين.. كما بادرنا إلى إنشاء صفحة على الفيسبوك عرّفنا فيها منتدانا كما يلي:
- منتدى “ليل وحكي” فضاء للبوح ومساحة للتلاقي الراقي..
- من كل كاتب فكرة أو قصيدة، ولكل قارىء بَيْدَر شعر وفكر وثقافة.
- “ليل وحكي” صفحة للمميزين في نُضْجِهم وحرفهم ورقي تعاملهم. فيها قبول لكل آخر، وحوار ثقافي ديمقراطي مع كل آخر.
- لا مكان فيه للسياسة، فهو مكان مخصص للأدب…
- الخُلق الحسن والحرف المميز شرطان ضروريان لقبول العضوية فيه.
كما سعينا إلى اختيار شعراء مميزين لأمسياتنا ووضعنا شروطاً قاسية، فجاءت أمسياتنا مميزة فعلا.
وأشير هنا باختصار إلى ما استخلصناه منذ انطلاقتنا مضافاً إليه رؤيتنا وبرنامج عملنا بالآتي:
- اكتشفنا عدداً كبيراً من الشعراء الشباب الذين يحتاجون إلى منبر ، فقد استحدثنا لجنة للشعراء الأصدقاء تنظم أمسيات خاصة بهم وتستقبل في الأمسية الواحدة عدداً قد يصل إلى العشرة شعراء دفعة واحدة.
ومع أننا لم نجر تقييماً وافياً لهذه الخطوة إلا أننا اكتشفنا خلال أمسيات الأصدقاء عدداً من الشعراء الذين يشاركون حالياً في أمسيات لا حصر لها في منتديات كثيرة.
- واستحدثنا ، أيضاً ، لجنة لمناقشة الكتب الفكرية والروايات، ومع أنها أنجزت حتى اليوم نشاطين ناجحين إلاّ أنه من المبكر الحكم على مدى تقبل جمهور المنتدى لهذا النشاط الذي نعلّق عليه آمالاً كبيرة.
- ولأن تجربتنا كانت من التجارب القليلة التي تعتمد نظام الادارة الجماعية، فقد اصطدمنا ببعض المشاكل التنظيمية التي تم تجاوزها بسرعة.
- علاقتنا ودية مع بعض المنتديات في لبنان وفي جمهورية مصر العربية وأقل وداً مع بعض المنتديات الأخرى.
- علاقتنا ممتازة مع الشعراء المستقلين ومع النخب الأدبية والفكرية ومع الجمهور.
وختاماً.. لا مشكلة لنا مع أحد فيما خلا مشاعر الغيرة الطبيعية أو روح التنافس، من جانبنا أو جانب بعض الآخرين.