الجمعة 19 أبريل, 2024

حين يؤكل الثور الأبيض

حين يؤكل الثور الأبيض فلينتظر الأسود دوره

علي .أ. دهيني

حين تعتلي الفوارس ظهور أحصنة الوصولية، تترجل الفروسية عن أسرجة البطولة، ويسقط وجه المجد من سيوفها صريعاً تحت قناع الخذلان..

العلاقة البينية هي من أهم ركائز البناء الإجتماعي الإنساني. ولكي تنجح هذه العلاقة وتكون الركيزة الأولى والأقوى في عملية البناء، لا بد للإنسان الفرد أن يتكامل مع ذاته في تكوين عناصره الإيجابية.

فـالـ”الأنا الصامتة” و”الأنا الناطقة”، أثرهما في العلاقة مع الآخر. وهما تشكلان جزءا محور الذات الإنسانية. و”الأنا الأعلى” و”الأنا الأدنى”، في الشكل لا تختلفان عن سابقتيهما، إلا أنهما تمثلان القاعدة التي ينطلق منهما الإنسان، وترفدان شقيقتيهما الصامتة والناطقة بالتعبير عنهما. سلباً أو إيجاباً.

إذن، لكل واحدة من هذه “الأنا” دورها في علاقتنا مع الآخر، وهذا الدور نفهمه ونتعرف إليه من خلال مكتسبه المعرفي الذي شكله والذي سوف يظهر في شخصية الفرد منّا. فإن زهت “الأعلى” بنفسها وبمكتسبها المعرفي سقطنا في النرجسية وأقفلنا سبيل العلاقة مع الآخر لما يعنيه ذلك من دونية في الرؤيا والرأي وفي التعاطي معه. وإن تماهت “الأدنى” مع نفسها من خلال مكتسبها المعرفي، سلكنا سبيل التلاقي مع الآخر وشكلنا معاً نواة لخلق بيئة إنتاجية بناءة.

السؤال: كيف يمكننا أن نتجنب سطوة “الأنا الأعلى” التي تتباهى بمكتسبها المعرفي، على “الأنا الأدنى”.؟ و كذلك كيف يمكن لـ “الأدنى” أن تحافظ على مكتسبها المعرفي في خطابها مع الآخر دون أن تُخسر الأعلى حضورها المعرفي.؟

الجواب هو في ما تصدر هذه العجالة. ماذا أفادنا الكسب المعرفي والإحاطة (الشكلية) بثقافات خارج كتاب ثقافتنا؟ مجتمعنا العربي تمزق في كياناته الجغرافية، وانتماءاته العقائدية، حتى أولئك المتأدلجين في الفلسفات الوضعية، حجروا أنفسهم في رفض الآخر ما لم يتماهى مع منطلقاتهم.

أنا أفهم أن الاقتباس الحرفي هو نهج لاهوتي قائم على حفظ اجزاء أو كل الرسالة السماوية الموجبة للدين أو التراث العقائدي وفي المقارنات الفقهية وما إلى ذلك.

واما في مجال الوعي الثقافي، فالمطلوب استيعاب وفهم المكتسب الفكري وبناء رؤى تمنهج السلوك وتنتج المثيل المتوافق مع الحاضر وبناء سلم التطور الذي ينطلق بالأمة، والتقدم في بناء المجتمع وحفظ كرامة الإنسان.

لقد حولنا اقتباساتنا وكسبنا المعرفي إلى أدوات صراع بيننا، فنحن اليوم نسقط تباعاً في حفرة لا ندري متى يمكن الخروج منها، وإن قدِرنا على الخروج، فكم من جراحاتها العصية على الشفاء، سوف تشوّه نفوسنا قبل أجسادنا..

لقد وقعنا.. جميعاً وقعنا، عامة وقيادات فكرية ورجالات علم وقادة بيادر معرفة.. سقطنا جميعاً في حفرة الطائفية البغيضة والمذهبية القاتلة..  ناهيك عن الاستسلام أمام من يريد بنا شرّا.

الكل سقطنا، الكل صار مشدود العصب إلى بيئته واستيقظ في ذاكرته ما تعبأ فيها منذ نعومة أظفاره، فلم تنفع كل المعارف ولا العلوم ولا النضوج المفترض، في رفع سد أو حاجز من الوقوع في هذه الحفرة..

قال الإسلام لا عنصرية قومية ولا فوارق طبقية ولا نزاعات وتحزب مذهبي أو قبلي أو عائلي أو عشائري.. بل توادد وتراحم (!!!). ولكن، فجأة عميت العيون وغفت العقول ونام العقل عن منطق الحياة في العلاقة البينية، واستيقظت العصبية في خيم التاريخ، والنار اضرمت في كل شيء حتى في رمال الصحراء..

وأصحاب الفلسفات الوضعية وشعارات العلمانية (!!!) سلكوا ذات “الشوكة” وبات هَمُّ الفريقين أن يحطم مباني الآخر دون أن يبيّن محاسن معتقده، لعجزه ‘ن تحويل المكتسب إلى رؤية ومنهج تطور، والسبب في ذلك أننا أهل نقل لما عببناه عبر آذاننا وليس فهم ما كسبناه في عقولنا.

النار في الهشيم لا تفرق بين أنواع ما أضرمت فيه. فالكل مأكول، فحين يؤكل الثور الأبيض فلينتظر الأسود دوره في الذبح..

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *