الجمعة 19 أبريل, 2024

خيانة أعز الأصدقاء

خيانة أعز الأصدقاء

علي راضي ابو زريق

ألح علي هذا الفيلم الحديث لاكتب عنه . مع أنه ليس خارقاً ولا أظنه سيذكر بين أفلام الجوائز لهذا العام. اسم الفيلم “خيانة من أعز صديق” وهو من إنتاج هولمارك أواخر عام 2018 وإطلِق لدور السينما عام 2019 . فهو حديث جداً. وينتمي لأفلام الشخصية النمطية “الصديق الخائن “. ولعل هذه الشخصية لشيوعها لا يتحدث عنها الناس كنمط أو لا يشعرون أنها شيء مميز يجب الانتباه إليه. ولكن النمط الأصيل الذي تمكنت منه خصائص خيانة من لا يجوز خيانتهم ، وتصل الخيانة حد جريمة القتل موجود في كل المجتمعات وصادم للعامة بما يصدر عنه أحياناً.

وبصراحة أعترف أنني عندما شاهدت الفلم استسخفته وشعرت أن لم يقدم شيئاً يستحق الوقت الذي بذلته بمشاهدته. ثم نظرت به نظرة تأمل أخرى شعرت بعدها بأهميته وبضرورة الكتابة عنه. وذلك عندما تذكرت حادثة حدثت في بلد عربي كنت أقيم فيه قبل عشرين عاماً. قُتِل نتيجتها طفلان جميلان كلاهما دون العاشرة كما اذكر. واضطرب ذلك البلد وانفعلت الناس لمقتل الطفلين. واهتمت أجهزة الأمن بالحدث الجلل في بلد هادئ . ووُجِّهت التهمة لكثيرين. ليتبين أخيراً أن القاتل هو الأب المثقف والموظف الحكومي المحترم. وساورت الناس شكوك كثيرة لتبرير الفعلة. ولما نشرت الصحف صورة الطفلين إلى جانب صورة الأب كان الشبه بين الطفلين وأبيهما كبيراً جداً. مما صرف أي فكرة سيئة لتبرير الجريمة. وتسرب يومها عن دوائر التحقيق أن الأب خطط وحاول أكثر من مرة قتل طفليه وهما ولد وبنت جميلان، إلى أن نجح أخيرا بوضع سُمٍّ لهما أحضره معه من خارج البلد. ولم يكن له دافع سوى أن يخلو له قلب أمهما التي شاركته إنجابهما.

وأعود للفيلم الذي يدور حول حالة أقل قسوة. فالقاتلة والقتلى ليسوا اقارب دم. القاتلة هي كيتي شابة جميلة بيضاء بشعر أسود لا ينقصها في الظاهر شيء. وكانت صديقة لصيقة لجيس ذات الوجه البريء والشعر الأشقر. كانت  جيس متزوجة. وكانت كيتي معجبة بشاب لم يبادلها الإعجاب الذي تتوقع لأنه كان على علاقة حميمة بأخرى. فكانت  تقضي معظم الوقت مع جيس . كانت مهووسة بها. ولكن زوج جيس يبقى تنغيصا لكيتي عندما يشغل صديقتها عنها لبعض الوقت . فتقرر قتله. ويُقتل بطريقة تخفى على جيس وعلى رجال الأمن. وبذا تتفرغ جيس لكيتي وتقضيان وقتا طويلا وممتعاً معا. وهو حال يسر كيتي حتى يدخل رجل جديد حياة جيس الطيبة المخلوقة لحياة اجتماعية كاملة. ترتاح جيس لصديقها المثقف والروائي المشهور المتخصص بروايات الجريمة. يزداد تعلق جيس وصديقها بعضها ببعض. ويهم أن يقدم لها هدية خاتم خطوبة فتنصحه كيتي ان يتريث حتى تنضج العلاقة اكثر . وتبدأ كيتي بالتجسس عليه لعلها تجد فيه ما يثني جيس عن حبه.

ثم تدخل شابة حياة جيس وتقربها الأخيرة فيغلي قلب كيتي . وتقتل الفتاة بجريمة غامضة. فتجدها كيتي فرصة وتقدم معلومات للشرطة ولصديقتها بأن القاتل هو الروائي المعتاد على نسج قصص الجريمة. وتبحث الشرطة فلا تجد دليلا وتفرج عنه بعد أن تلوثت سمعته ويكاد يفقد صديقته التي أحب من كل قلبه. ولكنه يستعيدها ويقنعها ببراءته.

ثم يصادف أن تتعرض كيتي لعملية دهس بسيارة يهرب سائقها وهي تتابع الروائي متجسسة عليه. فتجدها فرصة وتبلغ الشرطة وصديقتها أن الفاعل هو الكاتب صديق جيس.  فيتعرض لتحقيق آخر مع وجود شاهد عين لدى الشرطة هو كيتي الجريحة والمكسورة الرجل في المستشفى. مما يجعل الشرطة تصدقها. ولكن التحقيق يبرئ الرجل فليس على سيارته أية علامات صدام. ويخرج من السجن ويستعيد صديقته بعد محاولة. ويبدا هو البحث في ماضي كيتي ويلتقي عشيقها السابق ويعرف منه انحرافاتها النفسية . ويضع كل مايصل إليه من معلومات لدى الشرطة التي تعيد فتح ملفات الجرائم التي حدثت في محيطها. وتُستَدعى للتحقيق لتعترف بأنها التي قتلت زوج صديقتها ليخلو لها قلب جيس، وانها قتلت الفتاة التي تقربت من جيس ونالت محبتها، لتبقى جيس لها، وأنها اتهمت الروائي صديق جيس بالباطل. فتدخل السجن. وتتزوج جيس من صديقها الكاتب المثقف.

وأعلم أن جهدي بكتابة هذه القصة غالبا ما يمضي دون فائدة. فقد سبق لي أن وضعت على مدونتي مقالاً عن شخصيات نمطية؛ ولم يحظ بما يستحق من الاهتمام . مع أن شخصياته كثيرة الحضور في حياتنا. ولا يمكن أن تلتقي في دائرة اجتماعية أربع أسر دون أن يكون فيها واحدة من تلك الشخصيات النمطية. ولكن الثقافة العربية المشوهة بفعل الفهم الخاطئ للدين لا تستسيغ هذا النوع من فهم البشر بل هو تجاوز للعدل عند البعض. صحيح ان شخصية هذا الفيلم بشدة انحرافها قليلة الحضور في حياة البشر. لكن درجات مخففة  منها كثيرة الحضور في كل مجتمع. والحذر منها واجب أو يلزم اعتباره في إدارة علاقاتنا الاجتماعية حتى لو لم يصل مستوى كيتي في القسوة والقدرة على القتل للانفراد بالصديق أو الحبيب.

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *