الجمعة 29 مارس, 2024

المحنة الجزائرية ومحنة المثقف السادي

المحنة الجزائرية ومحنة المثقف السادي و” العدمية المقلوبة “

 قلولي بن ساعد/ قاص وناقد من الجزائر

524-1لا أعتقد أن باًحثا ومفكراً جاداً، مثلما هو عليه  الفرنسي باسكال بونيفاس، قد أساء التقدير حين وصف في كتابه الذائع الصيت ( المثقفون المزيفون / النصر الإعلامي لخبراء الكذب )  بعض المثقفين “بالمرتزقة الذين لايؤمنون في تقديره سوى بأنفسهم، ولكي يتمكنوا على نحو أفضل من إقناع المشاهدين أو المستمعين أو القراء، يلجؤون إلى حجج هم أنفسهم لا يصدقونها، ويعمدون إلى وسائل غير شريفة للدفاع عنها. إنهم، إذن، مزيفون يصنعون عملة ثقافية مزورة من أجل ضمان إنتصارهم في سوق المعتقدات الراسخة ” (01) ومهما يكن من أمر، فلغة باسكال بونيفاس تبدو كما لو أنها أقل حدة مما كان قد وصف به  بول نيزان بعض المتثاقفين الذين شبههم “بكلاب الحراسة “. إنها بكل أسف محنة المثقف النرجسي أو السادي، الذي لا يصدق سوى الوهم ويرفض أن يمارس على ذاته ما يسمى “بالنقد الذاتي ” الذي لا يزال المثقف العربي بعيداً عنه ويتهيب من طرحه لأنه يطال الذات العربية التي كان يرى محمد عابد الجابري أنها على الصعيد النفسي ” لا تقبل النقد إلا في صورة مدح أو هجاء “. لقد كان صعباً على المثقف العربي المستسلم لثقافة الوثوق الأعمى وللأوهام التي عششت في ذهنه ومخياله بسبب بعده واغترابه عن روح وجوهر ” النقد الذاتي “، وإعتباره ذاته بعيدة عن نقد الأنا، أن يقبل بنوع من التفكيك والمساءلة الصادمة “لوعيه الشقي”، والوعي الشقي كما يحدده عالم النفس الشهير جان بياجيه “هو الوعي القائم في بحر الإزدواجية والتناقض” حتى ولو حاول الكذب على نفسه وبناء خطابات ثقافية، أو تمثل قيم إبداعية وإنسانية وجمالية، هي بعيدة كل البعد عنه وعن ممارساته اليومية، ولم تكن أبداً موضع هم ثقافي ووجودي يسكنه ولا يؤمن بها أصلاً، فكل منظومات المعرفة والثقافة والتربية التي ترعاها مؤسسات الدولة وتسمح بها وبتداولها في الفضاء الإجتماعي والثقافي والتربوي، هي تدرك تماماً أبعادها النفعية والتقنية المحضة لضبابية الرؤية لدى الأجيال اليائسة من المستقبل، والتي لاتتجاوزطموحاتها لحظة إفتكاك الرغيف، ولا يمكن أن تساهم في بناء المواطن الحر وتنشئة جيل من المثقفين تتحول لديهم الأفكار إلى أفق بعيد المدى، فلا معنى للأفكار خارج “محمولها التاريخي ونبضها العضوي “مثلما يرى المفكر الماركسي أنطونيوغرامشي. وما نراه من خروج عن الصف وعن قيم “الطاعة الأبوية” في بعدها الدلالي والرمزي لدى بعض المثقفين الأحرار في بعض البلدان العربية وبلدان العالم الثالث عموماً، هو مجرد استثناء وتمرد محدود التأثيرولا أهمية له، ولعل رواية ” قصيد في التذلل” للروائي الجزائري المرحوم الطاهر وطار تعد بحق شهادة حية، من روائي مكرس، عن هذه الخيبة والتذلل، على الرغم من أن الطاهر وطار هو نفسه كما يعرف الجميع، ترعرع وتشكل مساره النضالي والسياسي والفكري، في ظل منظومة الحزب الواحد الذي سرعان ما تمرد عليه بوصفه مبدعاً في المقام الأول، ولم تستطع لا مناهج التعليم، ولا تجارب الحياة  المختلفة، ولا عمليات المثاقفة واللقاء بالآخر عبر بعض البعثات الدراسية، أو ترجمة آداب الأمم الأخرى، وأنماط التفكيرالمتعددة،  وتبادل التجارب والمعارف التي عرفتها الثقافة العربية، محوها أو الحد منها، على الأقل، حتى لا تمتد لأبنائنا وإلى الأجيال القادمة، لأن بقائها أو استمرارها أمر فادح وخطير ولا يبعث على الأمل. ذلك أن النخب الهشة الضعيفة التي لم تعد قادرة ولا في إمكانها مواجهة أسئلة الحرقة والمصير، وهي نفسها أسئلة  الكتابة الشاردة المنفلتة من التقييد والأسر ومن الوهم والإنضباط،  مثلما هو الحال بالنسبة لنا، المنشغلة بتصفية الحسابات الظرفية فيما بينها في أبعادها المرضية والنرجسية، لا المجتمع ولا السلطة ولا أية فئة من الفئات الاجتماعية تحترمها أو تقيم وزناً أو اعتباراً  لها وهي أقصى درجات الإفلاس الثقافي والحضاري والضياع إلى حد الخروج من التاريخ والسقوط بين براثن التشتت والخيبة والحسرة.

العصاب و” السادية الثقافية “

لقد تصدى لهذه الظاهرة النفسية مفكر عربي هو الدكتور عبد الإله بلقزيز وضع فيها ذات المثقف السادي على “سرير التحليل النفسي الجديد” بتعبير الشاعرة المغربية فاطمة لبصير، فكشف عن الأعراض الباتولوجية لظاهرة “السادية الثقافية ” المتفشية في الوسط الثقافي العربي  التي لا علاقة لها بالغيرة الطبيعية التي تنتاب جميع البشر في لحظات الصعود أو الإخفاق، والدليل على ذلك أنه عندما نشر الروائي الجزائري رشيد بوجدرة سنة 1969 رواية “التطليق” التي أحدثت جدلا نقدياً واسعاً في تلك الفترة، بعد انقلاب العقيد هواري على الرئيس أحمد بن بلة، بسبب جرأتها السياسية وقيمتها الإبداعية الكامنة في الإختراق الشكلي والموضوعاتي الذي أحدثته لأنماط الكتابة الروائية الكلاسيكية المكتوبة في أفق الثورة الجزائرية والنضال الجزائري المحموم في وقت كانت فيه “نجمة” لكاتب ياسين تمارس نوعاً من السيادة الرمزية على مجمل المنجز الروائي الجزائري المكتوب باللغة الفرنسية، إلى الحد الذي جعل الروائي الأعرج واسيني يشبه ما فعلته “التطليق” إبان صدورها بنفس الدوخة التي أحدثتها رائعة مارسيل بروست “البحث عن الزمن الضائع”، ويرى أنها “نسفت بدورها يقينيات النص الكلاسيكي الفرنسي الذي كان قد وصل إلى درجة عليا من التكرار والدوران” (02) ولئن تملكت كاتب ياسين بعض الغيرة المؤقتة من رشيد بوجدرة الذي أربك بتعبير الروائي أمين الزاوي، “النظام الأدبي الروائي وأراد إغتيال الأب” (03)، غير أن كاتب ياسين لعلو همته لم يحوّل هذه الغيرة إلى غيرة مَرَضِية، ولم يترجمها إلى ممارسات عصابية هيستيرية، ولم تستبد به إستبداداً مؤلماً وفضيعاً، بل بقيت مجرد غيرة طبيعية سرعان ما نسي أمرها وتوجه إلى الكتابة المسرحية والشعرية، فقدم نصوصاً وعروضاً أخرى لا تقل أهمية عن رائعته “نجمة ” التي وضعته في مصاف الروائيين الأكثر قدرة على الإمتاع والإدهاش وزلزلة الذائقة العربية التقليدية المسكونة آنذاك بالنفس الثوري الواقعي، كما قدمته لنا الرواية الجزائرية الكلاسيكية في ظروف نشأتها الأولى خلال الخمسينيات من القرن المنصرم، وإلى حد هذه اللحظة لا زال رشيد بوجدرة يكرر أن رواية “نجمة ” لكاتب ياسين من الأعمال الروائية القليلة التي أثرت فيه تأثيراً كبيراً  بينما السادية الثقافية فهي “منزع جارف نحو الإنتشاء المصاب به السادي في إبداء التوحش وتحقيق الذات في العدوان أو من خلال ممارسته ” (04)، إنها حالة يقول عبد الإله بلقزيز “غير سوية وتعبّر عن اضطراب خطير في نظام الاشتغال السيكولوجي وفي توازن الشخصية النفسي لدى المصاب بها من حيث أنها تعبّر في الواقع عن سلوك عدواني لا يتوازن فيه المثقف السادي إلا متى التذ بالتجريح الذي أصاب به ضحاياه من المثقفين” (05). لقد عاين عبد الإله بلقزيز المشهد الثقافي العربي  ووجده مثلما يقول، يعجُّ بحالات رهيبة من المرضى بنزعة السادية الثقافية، بما في ذلك ما عثر عليه من أعراض عند من سماهم “بصغار الكتبة من الساديين الذين لا يحفل بأمرهم أحد على ما في أفعالهم من مضار” (06)، وكأنما الثقافة العربية يقول عبد الإله بلقزيز “لم تعد تحتاج من فرط “بحبوحة ” التوازن فيها إلى إلا المرضى كي يزودوها بأسباب جديدة لمتاهة لم تخرج منها بعد منذ ميلادها الحديث ” (07)، وهل يقف العقل في خدمة هذه السادية ” … ؟ هذا هو السؤال الذي طرحه الدكتور بوعلي ياسين في مقدمة الترجمة العربية التي أنجزها لكتاب (الطابو والطوطم ) لسيغموند فرويد للحد مما يسميه بوعلي ياسين من “خطر الأنانية المهددة للوجود الفردي”(08)، وهناك توصيف قريب من هذا المعنى يسميه فرويد “النرجسية الذهنية وطغيان الأفكار”، المنتشرة بكثافة في منظور فرويد لدى البدائيين أو المتوحشين، فقد يحدث يقول فرويد “أن يقوم فرد تلتهمه الرغبات بشيء شبيه بالإشباع وأن يجلب هذا اللعب بفضل الوهم الفني تأثيرات عاطفية كما لوكانت  شيئا حقيقيا” (09)، فينشأ عن ذلك ما يسميه روني كايس “بالمركب العقدي”. لقد وجد الباحث المغربي حسن المؤدن في كتاب (العقدة الأخوية ” لروني كايس ما أسعفه ومده بمحددات أكثر معقولية لفهم الذات وللعودة بظاهرة السادية والمركب العقدي في الثقافة العربية إلى عقدة الأخوة (يوسف وأخوته) بدلا من عقدة أوديب. ويرد ذلك حسن المؤدن إلى خطر وظيفة الأخوة والتي يرى أنها أخطر بكثير من وظيفة الأمومة أو الأبوة، “فإذا كانت وظيفة الأمومة هي الرعاية والنمو ووظيفة الأبوة هي فصلك عن الأم والدفع بك إلى العالم، فإن وظيفة الأخوة هي أن تتعلم قبول الآخر والتواصل معه ومعالجة العناصر السلبية المدمرة كالحسد والغيرة والكراهية والعنف لتدبير العلاقة بين الذات والغير داخل نسق من الروابط الإجتماعية والثقافية والرمزية “(10)، وهناك بالطبع قراءات كثيرة لدى عدد من علماء النفس والمتخصصين في الطب العقلي الذين يمثلون مرحلة ما بعد فرويد، ليس بالإمكان الإحاطة بها كلها في هذا المقال، وسنكتفي بالقول إن المثقف الذي لا يريد أن يواجه ذاته في مرآة النقد الذاتي الصادم لوعيه الراكد، أو يراجع ما تراكم لديه وفي مساره الثقافي من خطايا أو أوهام صدقها قبل أن تسيطر عليه أو تتشكل في داخله ككتلة هي أشبه بالأكاذيب الخاطئة، هو كائن يسكنه أو يسيطر عليه العصاب والمرض الماثل في ما سماه شنجلر “التشكل الكاذب” الحائل بينه وبين أن يرى “ذاته عينها كآخر” بتعبير بول ريكور الذي أنجز في هذا السياق، كتاباً ثميناً جداً ورصيناً جداً بعنوان (الذات عينها كآخر) “حلل فيه الوضع النفسي “للذات العالمة ” بتعبير محمد عابد الجابري، وهي ذات ” المثقف” بوصفها إنعكاس لمسارات نفر من المثقفين  المفتقرين لما وصفه سارتر “الوجدان السليم”، الوجدان القائم في فلسفة إنسجام المثقف على الصعيد البسيكولوجي  مع ذاته وصيرورته التاريخية، ومع القيم التي تتأسس عليها النصوص التي يكتبها ويزعم أنها تمثله وتعبر عنه وعن ذاته وعن “هويته النصية ” بتعبير بول ريكور إن وجدت، أو هكذا يعتقد، وما بين الإعتقاد والممارسة بوصفها نصاً آخر هو أشبه “بالنص الغائب” بتعبير كريستيفا لا يقل أهمية عن النص الماثل  فجوة، بل فجوات ليس من السهل ردمها أو تجاهل الآهات الكامنة فيها وهي كثيرة بلا شك، ولهذه الناقدة كما نعلم مفهوماً رائعاً تسميه “النصوص الغريبة عن اللسان”. وفي أزمنة السقوط والإبتذال والإفلاس الثقافي والأخلاقي هناك الكثير من “النصوص الغريبة عن اللسان” وعن قناعات كتابها إن وجدت، وأهوائهم وذواتهم، وعن خصوصياتهم الأثنية والثقافية والهوياتية في أبعادها الرمزية والدلالية، وهمومهم الفردية والجماعية، نصوص تكتب لأجندة ظرفية ولقيم بلاستيكية مغشوشة لاتتجاوز حدود اللسان بل هي، أحياناً، نفعية أو براغماتية هدفها الأسمى  ذر الرماد في العيون، فتولد ميتة لا ضياء فيها. وهي أشبه بالتوابيت أو الأعشاب الضارة المضللة والتي لا طعم لها ولا رائحة. 

في العدمية و” العدمية المقلوبة ” و ” الجهل المقدس”

 هل يتعلق الأمر مثلاً بنوع من “العدمية المقلوبة ” أو عدمية إنسان الغل، هذا ما يستخلصه القارئ لكتاب الدكتور رشيد بوطيب (سياسات الضيافة / شذرات من خطاب في الغيرية)، فالعدمية المقلوبة لا تؤسس في رأي رشيد بوطيب للإنسان الثوري مثلما هو الشأن مثلاً للعدمية الغربية، عدمية نيتشة والسلالة النيتشوية، التي تبدأ مع هايدغر ودولوز وفوكو، وتمتد إلى ديريدا وأركون والخطيبي وبارت وغيرهم، بل لإنسان الغل الذي يعود به رشيد بوطيب إلى الفيلسوف الألماني ماكس شيلر عندما تحدث عن إنسان الغل كإنسان. يقول “إنه أخفق في الوصول إلى تحقيق ما يريد وبسبب الفشل والخيبة  تتكون لدى إنسان الغل أحاسيس الحسد وعقدة النقص تجاه الاخرين”(11)، ويضع الدكتور رشيد بوطيب يده على مكمن الداء عندما يعتبر أن “إنسان الغل يجد في كل ما يفعل بسبب أو بدونه، نوعاً من التمجيد لماضٍ مضى وإنتهى إلى غير رجعة، في نوع من الحقد المرضي على الذات، كجهل مطلق بهذه الذات وتعددها وتحولاتها وإرتباطها، أرادت ذلك أم لم ترد، بسياقات الحداثة “(12)، وعليه. ؟ هل فعلاً خرجت “العدمية المقلوبة” من معطف العدمية الغربية مثلما يرى مؤلف كتاب (سياسات الضيافة / شذرات من خطاب في الغيرية)، أو هي نتيجة عكسية لها . ؟ فمن غير الممكن إعتبار “العدمية المقلوبة ” نتيجة من نتائج العدمية الغربية بثوريتها و” بإنتاجيتها النصية” بتعبير كريستيفا التي بدأت ثورية مع نيتشة منذ أن دشنت قطيعتها الإبستمولوجية، أولا مع الفلسفة الكلاسيكية  فلسفة هيجل ومثالية كروتشة  والكانطية والماركسية التقليدية، ثم مع ميتافيزيقا الهيمنة والاستبداد اللساني والفكري واللغوي والشعري والمعرفي، أو أنساق الهيمنة التي كان قد قام بتعرية مضمراتها ناقد عربي مهم هو الدكتور عبد الله الغذامي في ما سماه “بخطاب الشعرنة “، أي ذلك النسق الشعري في الذات العربية المبدعة ـ حسب الغذامي ـ في إنتاج الطاغية الشعري / الوجه الآخر للطاغية السياسي بإعتباره الحامل لثقافة العمود الشعري والسياسي، و”العمود في الرأس” وليس في الشكل، فلا أهمية للشكل مالم يتحرر الرأس، وعندما يتحرر الرأس يصير المعنى في متناول القراء والمؤولين وليس من فعل الشاعر أو الناص المتوحد  المنغلق على ذاته،  فهو “شيء من فعل القارئ يدركه ويلتقطه من داخل نسيج النص وليس من داخل بطن الشاعر .. إن الشاعر قد مات ومات ما في بطنه ولو كان المعنى في بطن الشاعر، لصار من الناحية الرمزية والدلالية في قبره”(13). والغذامي بالطبع لا يتكلم هنا عن ظاهرة خاصة بل يكشف، مثلما يقول، عن نسق ثقافي عربي “كان الشعر وما يزال هو الفاعل الأخطر في تكوينه أولاً وفي ديمومته ثانياً “(14). ورغم أنه لا يتجاهل تسربل الشعر العربي ببعض الجماليات والزخارف اللفظية بما تهيل عليه ما يسميه “بحكومة البلاغة ” بعض الشرعية الأدبية والتاريخية لكنه أيضاً، “ينطوي على عيوب نسقية خطيرة جداً، كانت السبب وراء عيوب الشخصية العربية ذاتها “(15)، ممثلاً لها بشخصية الشحاذ والمنافق والطماع، وشخصية الفرد المتوحد ذي الأنا المريضة النافية للأخر، ويضرب لذلك مثلاً أن الموروث الأدبي ومعه “حكومة البلاغة” يخصصان “المنزلة الأعلى لأسوأ أنواع الشعر من الناحية الإنسانية،  فيستصغرون شعر الرثاء ويعتبرونه فناً نسائيا”(16)، ثم  مع لاهوت المعنى الذي قيد الحقيقة التاريخية والحضارية، مبقياً إيّاها داخل ما وصفه المفكر الجزائري محمد أركون “المثلث الأنتروبولوجي” المتمثل في “المقدس / الحقيقة / العنف”، بل هي إبنة عنف آخر وتوحش آخر لا هوية له، عنف هو نتيجة طبيعية من نتائج ما سماه المفكر الفرنسي أوليفييه روا “الجهل المقدس”وبالمسخ ” الذي نقرأ بعض حالاته ورواسبه وتراكماته السادية  كمعطى إبداعي، طبعاً في أطوار عمل روائي لفرانز كافكا في روايته الشهيرة “المسخ “، وفي عدد لا يستهان به من الأعمال الروائية الجزائرية التي عبرت عن المحنة الجزائرية بعد أحداث أكتوبر 1988، من بعيد أو من قريب، بجرأة وشجاعة عجز المؤرخون الرسميون على الإتيان بمثلها رغم حساسية المرحلة وثمنها الباهض. هذا هو إنسان الغل وتحديداً مثقف الغل الذي لم تتردد التطورات اللاحقة لثورات النت والشبكة العنكبوتية ووسائط التواصل الإجتماعي في فضحه، فقدمته لنا عارياً مكشوفاً مشوهاً في اللحظة التي كان يريد فيها إخفاء وجهه أو هويته أو اللجوء إلى نوع من التضليل الأعمى. وما نراه بالطبع من استثناءات لدى بعض المثقفين الأحرار نسبياً هي مجرد حالات معزولة أملتها جملة من التجارب الشخصية والتكوين الفكري والأخلاقي الخاص بهم خارج مدار الوعي القائم في صلب التراث السياسي الإيديولوجي لخطاب وأداء الأب السياسي والثقافي في التعاطي مع شؤون الرعية واهتماماتهم الفردية وحقهم في الوجود والكرامة الإنسانية وما أدراك … !

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

إحالات

01)المثقفون المزيفون / النصر الإعلامي لخبراء الكذب – باسكال بونيفاس- ص 06 – ترجمة روز مخلوف –  دار ورد الطباعة والنشر والتوزيع – دمشق سوريا 2013

02)بوجدرة الحرية هاجس الخمسين سنة من الممارسة الروائية / اللغة سؤال قبل أن تكون غنيمة – واسيني الأعرج – ص 09/ 10 ضمن كتاب شكرا رشيد خمسون شهادة في اليوبيل الذهبي – منشورات مهرجان وهران الدولي للفيلم 2015

(03)أوجاع رشيد بوجدرة – أمين الزاوي –ص 37 ضمن كتاب شكرا رشيد خمسون شهادة في اليوبيل الذهبي – منشورات مهرجان وهران الدولي للفيلم 2015

04)نهاية الداعية الممكن والممتنع في أدوار المثقفين – عبد الإله بلقزيز – ص 59 منشورات الشبكة العربية للأبحاث والنشر – بيروت 2010

05 ) نفس المصدر ص 59

06) نفس المصدر ص 61

07) نفس المصدر ص 61

08) مقدمة الترجمة العربية لكتاب سيغموند فرويد الطوطم والطابو – بوعلي ياسين – ص14 منشورات دار الحوار للنشر والتوزبع اللاذقية سوريا بدون ذكر السنة

09) الطوطم والطابو بعض المطابقات في نفسية المتوحشين والعصابيين  – سيغموند فرويد – ترجمه عن الأصل الألماني بوعلي ياسين ص 112 منشورات دار الحوار للنشر والتوزبع اللاذقية سوريا بدون ذكر السنة

 10) قراءة نفسانية في قصة النبي يوسف/ عقدة الأخوة أولى من عقدة أوديب حسن المؤدن مجلة تبين للدراسات الفكرية والثقافية – العدد 10 خريف 2014 – ص  46

     169  ص 11)سياسات الضيافة / شذرات من خطاب في الغيرية – رشيد بوطيب –– منشورات دار توبقال للنشر – الطبعة الأولى 2016 الدار البيضاء   

  12) نفس المصدر – ص 170

13) تأنيث القصيدة والقارئ المختلف – محمد عبد الله الغذامي –  ص 112 الطبعة الثانية – المركز الثقافي العربي بيروت 2005

14 ) النقد الثقافي قراءة في الأنساق الثقافية العربية – عبد الله الغذامي – ص93 الطبعة الثالثة – المركز الثقافي العربي بيروت

15)نفس المصدر ص 93

16)نفس المصدر ص159

مقالات ذات صله

1 تعليقات

  1. املية فريحة

    قرأت مقالك أستاذ قلولي بن ساعد، أثمن جدا ما جاء فيه، أفكار قيمة وسعة اطلاع، شكرا على الإفادة

    الرد

الرد على املية فريحة اغلق الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *