السبت 20 أبريل, 2024

هيام التوم وغرام مع حبيب سابق

في سهرة أدبية دعا إليها “منتدى ليل وحكي”

هيام التوم في روايتها “غرام مع حبيب سابق”:

الكتابة بحماسة لا حدود وتعرية للمشاعر بالكامل

أحمد بزُّون

bzon-1

untitledكأنني أستعيد في فضاء الكتابة عن تجربة أولى كتابتي أنا الأولى، فالرهبة نفسها تتمثل، كوننا في الحالتين نعلق نصوصنا على الأعصاب.

صحيح أن الكتاب الذي بين أيدينا اليوم “غرام مع حبيب سابق” تجربة أولى لكاتبته هيام التوم الريّس. لكن لو أنني لم أعلم بذلك من صاحبته، في دردشة معها، لكنت ظننت أنها كاتبة من العيار الثقيل، فالفصول التي قرأتها في الرواية تنم عن تمرس أدبي عميق، إن من حيث مستوى اللغة أو معالجة الفكرة أو السلاسة في تقديم الأحداث، أو حتى الجرأة والتمرد والتحرر من أي عائق اجتماعي أو أخلاقي. كأن الكاتبة قررت أن تخوض تجربة الكتابة بقوة جارفة وحماسة لا حدود لها وشغف عائم، وتعرية للمشاعر بالكامل، بعيداً عن أي لغة فضائحية أو سوقية، أو حتى أي لغة تستعطي العواطف.

والجميل في الرواية أن الكاتبة لا تكل ولا تمل من الاستمرار بذلك التدفق العاطفي وإضفاء حرارة عالية في المفردات والعبارات والأحداث. ولا تبالغ إذ تقول في مقدمة الرواية: “سوف ألقي بكم جميعاً في أتون بَوْحي وأضرم فيكم الأحاسيس المتناقضة”، وتقول: “أتيت إلى الكتابة كما إلى لقاء عشيق”. وبالفعل تستمر هيام طوال الرواية أمينة لتلك الرغبة التي بثتها في البداية، فهي لا تتقدم بسردها بسرعة فيتسطحَ الحدث، إنما تعالج كل حدث أو فكرة بعمق وتكثيف إلى درجة تُطاول فيها مشاعر قراء كثر عرفوا تجربة الغرام وخبروها. ولا غرابة بعدئذٍ أن تقول في مقدمتها” “ابحثوا عن ظلالكم بين بياض أسطري”.

إنه الغرام أيها الأخوات والأخوة، عصب الرواية الأساس، وقد اختبرته الكاتبة لدى عدد من أبطال الرواية، الذين كما لو أنهم كانوا شِلة غرام، أصدقاءَ توزعوا على مساحة الرواية عشاقاً ومعشوقين، وإن رأينا مساحة بسيطة للكلام على الحس الوطني مع استشهاد الضابط حسام غدراً، أو الحس الإنساني مع المرأة السورية التي قطع المسلح رأس طفلتها.

ما هو بارز أن الغدر أو الخيانة مفردة تتكرر في الكثير من العلاقات الغرامية والزوجية في الرواية، فبطلة الرواية الأساسية “غرام” طالتها الخيانة من زوجها حتى لجأت إلى حبيبها السابق تشكو إليه همها وتسرد عليه تفاصيل ما قرأنا في الرواية.

وها هي “غرام” ترقص مع الذكريات رقصة زوربا حزناً على ماض، أو فرحاً بلقاء حبيب سابق، تلتقيه وينطلق معه السرد من بداية الرواية حتى خاتمتها، تحكي له ما جرى معها ومع شِلة الأنس التي كان واحداً منها، يذكرنا المشهد بشهرزاد تستدعي الحكايات، تقصها على شهريار حتى يؤجل قتلها، و”غرام” المريضة والمكلومةُ حياتُها تحكي لتغري الموت كي يؤجل قدرها.

نعم الخيانة هي المفردة المعنوية الأكثر تكراراً في الرواية. خيانة زوج “غرام” لها، خيانة باسم لِـ هِبَة، خيانة فراس لـ أريج وخيانة شهد لـ مجيد. وتخرج من هذه المعادلة أخت “غرام” “ولع” التي أبت أن تترك حبيبها أميراً، عندما علمت أنه مصاب بمرض قاتل، بل تزوجته وأنجبت منه.

أثناء تقديم الأحداث نلاحظ ما يمكن أن نسميه الاعتراض على ذكورة المجتمع وانحيازِه للرجل وتبريره لخياناته، واضعاً السبب في المرأة، وعندما نجد أن معظم حالات الخيانة أبطالها رجال نفهم أن الكاتبة تصف واقعاً وتعترض عليه، بل تتمرد على لسان بطلتها “غرام” التي ردت الخيانة بمثلها، لتثبت أن المرأة ليست ضعيفة، وأن المرأة كنز يفرط به الرجل عندما يخونها. النسوية واضحة في الرواية، لكننا نتفهمها، لأننا بالفعل نعيش حتى الآن مجتمعاً ذكورياً بامتياز لا بد من تعديله.

المهم أن قصص الحب التي تقدمها هيام هنا ليست من النوع الرومنسي العادي، فكلها صادمة وتحيد بنتائجها عن المنطقي والمتوقع، ليكون عنصر المفاجأة والصدم حاضراً، مثل محاولة خيانة شهد لمجد مع أخيه.

اللافت للنظر في نص الرواية أن الآلام والأحزان لا تلغي مزاج السخرية الذي نستضيئه ونستشفه في أسلوب هيام الريس، تقول: “أيها الموت أعرف أنك قريب كالنّفّسِ التالي، ولكن هلّا تجولت قليلاً حتى أكمل تبرجي” (ص 186).

سرني ما قرأت على مستوى النص الأدبي في هذه الرواية، وعلى مستوى المضمون ومعالجة الأحداث، وعلى مستوى الأفكار، كما ذكرت منذ البداية، وكانت هيام الريس مفاجئة لي في تجربتها الكتابية الأولى هذه… لكن ربما من الطبيعي أن يبرز لدى كاتبة غير متمرسة في فن السرد أن تقع في أخطاء مهنية تقنية مختلفة، كنت أتمنى لو أعفتني من ذكرها، لكن الكلام يطبع صورتي في المرآة، وشفافية النقد تمنعني أن أكتفي بما أمتعتنا به الكاتبة. لذا أقف عند بعض الملاحظات التي تفرض نفسها:

أولاً، تقول شذا لجواد: “لماذا لا تضع صورتك على صفحتك، لديّ صعوبة في التحدث مع شخص دون وجه، دون شكل”، “وسأضطر لإلباسك شكلاً من مخيلتي وهذا ما لا أحبه”، وأنا أوجه الكلام نفسه إلى الكاتبة: لماذا قدَّمت شخصياتك بلا وجوه ولا أشكال، ونحن في عصر الصورة والكتابة، فلا بد لك من أن تراعي ما عليه ذوق القارئ اليوم، بعيداً عن أي اعتبارات أخرى.

ثانياً، المكان والزمان لم يكونا واضحين، فلم نقرأ تسمية لأمكنة سوى بيروت وأمريكا، ولم نعرف زمن الأحداث إلا نادراً.

ثالثاً، بقي بعض أبطال الرواية بلا أسماء، ولا سيما زوجِ “غرام” وحبيبِها السابق.

يبدو أن وراء تغييب تلك المحددات الحفاظ على سرية بعض الوقائع، لكن في ذلك فهماً يقضي بضرورة أن تكون الأحداث حقيقية، وهذا ليس مهما في العمل الأدبي، إنما المهم أن تكون واقعية فقط، ولذلك على الكاتب أن يحدد كل الأسماء والأمكنة والأزمنة كي يوهم القارئ بحقيقة الأحداث. وثمة فرق بين الحدث الواقعي والحدث الحقيقي، والكاتب يستطيع أن يتمتع ويمتعنا باللعب على هذه المسافة بين المعنيين.

رابعاً، هناك مشكلة في أسلوب السرد، ذلك أن الكاتبة تركز على الأسلوب الحكائي لا السردي، وإيصال الوقائع والأحداث، من دون الانتباه إلى دور اللعب بزمن السرد، وما له من أهمية في تقديم الجماليات الفنية التي يتميز بها روائي عن آخر، ففي الرواية الجديدة ليس مهما أن نقدم الوصف بقدر ما نقدم حركته، ولا أن نقدم الوقائع بشكل منطقي أو رياضي بقدر ما نعرف كيف نتنقل بخفة بين ماضي الحدث وحاضره ومستقبله، وما في ذلك من أسلوب تشويقي يضيف إلى جمال البناء الروائي جمالاً أكثر إغراء للقارئ.

لا تعني هذه الملاحظات رفضاً لرواية الريس، أو تبخيساً بها، إنما حرصاً مني على اكتمال المتعة والجماليات التي تحدثت عنها في النصف الأول من كلمتي هذه. وأعد نفسي بمزيد من المتعة في روايات مقبلة لكاتبة بارعة.

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *