الثلاثاء 19 مارس, 2024

د أنور الموسى: حلم عودة اللاجئين

شاعر ملتزم أهدى ديوانه إلى أميركية وأحرار العالم والحرية وزيتونته ثمرتها القدس

الشاعر الأديب د أنور الموسى: حلم عودة اللاجئين إلى أوطانهم تحقق في شعري

حاورته رئيسة ملتقى شعراء وأدباء العرب الأديبة سهام صبرا الكسواني… (الأدرن)

anwar2شاعر ملتزم… يدرك جيدا قيمة الالتزام في الشعر، فوجد أن القضية الفلسطينية من أقدس القضايا التي يمكن أن يكتب لها الأديب.. وهو فوق هذا، يعدّ الكلمة سلاحا كالسّيف أو المحرر المنتصر… ولا يتردد في الدفاع عن الظلم واللجوء والقدس وزيتونتها وحجرها…ومقدسياتها والمضرب عن الطعام والبلاد العربية… ونبذ الاحتلال… وصفت صحيفة خليجية شعره بالمقاوم الثائر… وتناقلت مدح ديوانه وكالات عالمية كرويترز ووسائل إعلامية جمة… أهدى ديوانه للقدس والشهيدة الأميركية التي قتلها الاحتلال الإسرائيلي.. هتف مع الشهيد وأحرار العالم للحرية والتحرير…وهو أيضا نهم في المثابرة والتأليف، يحمل خمسة تخصصات، وزادت كتبه على عشرين كتابا، فضلا عن عشرات الموضوعات الصحفيةوالدراسات… ويدير مجلة إشكاليات فكرية الإلكترونية… ومحاضر في الجامعات، ومتفرغ في الجامعة اللبنانية الرسمية… لكن أحب كلمة على أذنه القدس. يرفض المناصب، ويتجنب الظهور… إلا خدمة لقضايا المحرومين… يقول: «سأكرم حين تعود القدس والوطن العربي معافى»، ويردد: إن الشعر وثيقة قانونية ستشهر في وجه المجرمين ومقترفي المجازر الاسرائيلية.. في المحافل والزمن..»

لا يكترث للحدود أو الجنسيات المصطنه في بلاد العرب، فالوطن العربي كله وطنه، والقدس عاصمة الأحرار، كما بيروت ودمشق وبغداد… ويرى أنه ما من سلام عالمي من دون تحرير فلسطين.

يتألم على الحروب العبثية بين العرب والمسلمين… يبكي في شعره على العربي الغارق، ويعلمنا كيف ننتحر وكيف نحرر الأوطان… يبكي شهداء مجزرة قانا كما مجازر المخيمات الفلسطينية… كما يبكي محمد الدرة والطفل الرضيع الذي اغتاله المستوطنون دوابشة…

كتب الشعر التقليدي كما الحر… لأنه حر في كلامه وسلوكه، يأبى التقيد ضمن أطر حزبية ليحلق في دروب العودة والخيال والعاطفة… إنه الشاعر د. أنور عبد الحميد الموسى…

فمن هو هذا الشاعر؟ وما موقفه من الشعر والامسيات والمجازر والقتال المجاني؟ ولم أهدى ديوانه لاميركية؟ ولم مدح شعره في وكالة رويترز؟ ولم شعره ملتزم؟ وما موقفه من الشعراء النرجسيين؟

س1: دكتور فى البداية، نود إعطاءنا نبذة عن سيرتك الذاتية… ومن هو الدكتور أنور الأديب والإنسان؟

ـ  أنا من مواليد بيروت 1976، تغلف سيرتي الأولى المعاناة، فأهلي ذاقوا «الأمرّين» في الحروب والتهجير والكفاح من أجل البقاء، ومع المعاناة الطويلة، كافحت في التعلم والعمل البسيط في آن معا.. إلى أن حزت على تخصصات متنوعة (خمس إجازات في: اللغة العربية، والصحافة المكتوبة، وعلم النفس المدرسي، وعلم النفس العيادي، والإعلام المرئي والمسموع، ودبلوم التربية، فضلا عن دكتوراه دولة في اللغة العربية وآدابها والتحليل النفسي للأدب).

أما «الدكتور»  أنور الموسى الإنسان…فهو متحيز لقضايا الضعفاء المستضعفين…واللاجئين…والمحرومين مهما كانت جنسيتهم ودينهم…

ود. أنور الأديب، هو ذاك الإنسان المتواضع علميا الذي خط طريقه بنفسه، بمؤازرة أب عامل بسيط مكافح رحمه الله..وأم مكافحة أيضا…وجد ضرير روى له قصصا جمة عن حب الوطن وفلسطين…والقيم…

وهو أيضا كافح وسهر الليالي…مع المعاناة، لأن له هدفا في الحياة، هو رفع راية القدس الحبيب، ونصرة اللاجئين والبسطاء… حتى في الصحافة…

س2: ما سبب تسميتك لديوانك بزيتونة القدس؟ ولم معظم شعرك عن القدس؟

anwarالقدس في ديوان «زيتونة القدس»، تمثل الضمير والقيم والمقدس والحنين والعودة… على أن العودة لا تقتصر على حلم العودة إلى القدس وفلسطين؛ إنما عودة إلى لبنان الجوهرة، وبيروت الجمال، ودمشق السلام، والشام الكرم، وبغداد العز، والنيل العطاء، والأم المتفانية، والأب الكادح، والمتواضع النجيب، وآثار صور والتراث، والتاريخ المشرق، والشهداء الأطهار…

نعم، القدس تمثل القيم والصبر والصمود… والعنفوان والمقدسيات اللواتي يدافعن عن شرف الأمة… والحياة… والتراث والتاريخ الإنساني العربي والحنين…

«الزيتونة» تؤشر إلى الخصوبة والصمود والتجدد والعطاء… والقدس بمؤازرة الزيتونة، تشي بالفردوس المفقود الذي يحن إليه المعذب مهما كانت جنسيته أو أصوله، حنينه إلى الحياة الجنينية والتراب والأمان والمهد والبيت العتيق… وهكذا، حين عُرِّفَتِ الزيتونة من خلال إضافتها إلى القدس، بتنا وجها لوجه أمام التحرير والانتصار، والثورة والشهادة، والتواضع والنقاوة.

من الطبيعي والحالة هذه أن يتشرف قلمي بالحديث المسهب الحار عن القدس وفلسطين، رمزي الحياة التي يحاول الاحتلال خطفها…فهل في رأيك من قضية أشرف من فلسطين لنعبر عنها؟

قد يكتب المرء حبا وينظم غزلا…لكن ما فائدة ذلك في ظل اغتصاب الحبيبة والأم فلسطين؟!

س3: اعتمد بعض نقاد الغرب على المفاضلة بين لغة الشعر ولغة النثر العادية… والبحث في أدبية النص… مع احترامهم  لقوة النثر من حيث صياغة الكلمة والمعنى… فما هي وجهة نظرك بذلك؟

ـ أرى أن للشعر جمالية، كما للنثر جمالية أيضا…فرب نص نثري هز الفؤاد ولب الجماهير اكثر من الشعر والعكس…فبما ان لغتنا العربية شاعرة، وهي لغة القرآن رمز الإعجاز… فأرى ان كل كلام صادق صادر من الوجدان، يثير المتلقي ولو بدرجات متفاوتة…فللنثر الأدبي مثلا أنصار كما للشعر…

وكذلك، فإن معيار جودة النص يخضع لمقاييس جمالية جمة، بالتالي، كل نص من وجهة نظري، قابل للقراءة مهما كان جنسه، ولنترك الحكم إلى الجمهور… علما أن لفلسفة التلقي إشكاليات لا مجال للكلام عليها ههنا.

أما المفاضلة بين نص شعري وآخر نثري، فأعده جدلا «بينزنطيا» لا فائدة منه.. آية ذلك، أننا نتحدث عن الأدب، والأدب فن… والفن يخضع لذوق خيالي وجمالي وعاطفي… له علاقة بالذكاء المتعدد… ربما بتعدد القراء.

س4: لم نوعت في تخصصاتك…لغة وصحافة وأدب وعلم نفس وتربية…؟

ـ هناك دوافع جمة وراء تنوع تخصصاتي، لعل أكثرها برواز: شعوري بأن الحياة قصيرة، وأن العلم سلاح لا يقل قيمة عن السلاح النووي… وأن العلم أو التخصص مهما كان نوعه، أداة من أدوات المواجهة مع الاحتلال والاستعمار والتسلط… وان الديموقراطية لا يمكن ان تسود من دون تعلم…فضلا عن أسباب أخرى تعود إلى إثبات الذات واستثمار أوقات الفراغ… وإيصال صوت المعذبين إلى كل أنحاء العالم…بوصفي ذقت صنوف الألم والحرمان…

س 4/2 : ما هو أثر الحرمان في شعرك ومسيرتك؟

للحرمان طبعا أثر بين في مسيرتي وتخصصاتي… فالصحافة مثلا درستها كي أدافع عن المضطهدين واللاجئين، تحديدا الفلسطينيين، وعلم النفس كي أحلل سادية الجندي الإسرائيلي مقترف المجازر بالجملة هنا في لبنان وفلسطين…

تصوري… حين نعلم أن المجازر بحق أبرياء فلسطين في مخيمات لبنان قد أبادت عائلات بكاملها… وحين نعلم أن مجزرة قانا ـ مثلا ـ  في مقر الأمم المتحدة اغتالت طفولة بريئة… فكيف سيسكت الكاتب او الشاعر حينئذٍ؟!

س5: ما سبب كثافة مؤلفاتك؟ ولم التركيز على اللغة وعلم النفس والطفل في كتبك؟

ـ التأليف كان حلما بعيد المنال حين كنت صغيرا، أما حين تعلمت، ففتحت أمامي أبواب مهمة لنشر كتبي… فبدأ الحلم يتحقق مع دار النهضة ببيروت، فما أن أنتهي من تأليف كتاب، حتى أفكر بآخر… لأن الكتاب يوصل الصوت أيضا، ويخلد صاحبه، ويفيد آلاف القراء… وما شجعني أكثر على التاليف، إسناد مواد جمة لي كي اعلمها في الجامعات… فكان هدفي أيضا إفادة طلابي ولا سيما في الدراسات العليا…

وتركيزي على الطفل… لأنه بذرة المستقبل وأمل الأمة… وأدب الأطفال فن المستقبل… لذا، علينا أن نهتم أكثر بما نقدمه للطفل تربويا…

س6: حدثنا عن تجربتك الأكاديمية، ودورك في تنمية المواهب…

ـ أنا أعشق التعليم الأكاديمي، لأني أتعامل مع شباب مثابر طامح… أجد نفسي هناك، وهذا يسهل علي إيصال صوت الحق… الحمد لله، سمعتي ممتازة بين طلابي…أحبهم ويحبونني، أشرف عليهم وأسهر على نشاطاتهم…أعد لهم كتبا وموادا إثرائية جمة ووسائل إيضاح و… وأجد الراحة حين أجدهم تفوقوا ورفعوا رأسي..

أيضا أنا اطور نفسي في الرتب والتأليف… لدي ما يزيد عن 20 كتابا ودراسة منشورة، وغيرها قيد الطبع…

أما دوري في تنمية المواهب فيتمثل في نشاطات جمة لا صفية، كنت أنفذها مع طلابي حين كنت مدرسا لنحو 15 سنة، وبدأت انفذ بعضها حين تفرغت للجامعة، مع مجموعة صفحة دراسات وطلاب آخرين (تلك الصفحة التي أغلقتها شركة الفايسبوك، من دون إنذار، وربما تنفيذا لاتفاق ظالم مع إسرائيل على الأرجح، يقضي بإغلاق صفحات الحق…)… وإطلاق مجلة اشكاليات فكرية لنشر كل نصوص الطلاب والأدباء، بعد أن أُشرف مباشرة على تنقيحها وتقديم ملاحظات لأصحابها…فضلا عن تنظيم دورات صحافة وتدقيق لغوي وبحث علمي… لتنمية المواهب أكثر..

س7: نجد أن شعرك بمجمله يرسم أو يحاكي قضايا الأمة عموماً، أي إنه يُصنّف شعرا ملتزما، هل هذا بقصدٍ منك أم لأنه يمثل محيط تفكيرك؟

ـ أنا شاعر ملتزم، كوني أدافع في شعري عن قضايا الأمة، ولا سيما فلسطين والظلم الاجتماعي…فضلاً عن نبذ الحروب العبثية بين الإخوة…ومناهضة الاستعمار الجديد بكل صوره… نعم ملتزم لأني أكتب بالأحمر…لون الدم…وأعلم أن من الخزي أن أموت جبانا… وعلى سبيل الالتزام أقول:

ولما لم أجد إلا سلاما/ أشد من المصيبة أو حماما/ رميت على حدود القدس جسمي/ وقلت لصحبتي موتوا كراما…

وهذا الالتزام يمثل في تفكيري رؤية كونية، لأنه يمثل جماعة؛ هي أمتي العربية المستهدفة التي يجري إغراقها في بحار الموت… وملتزم لأني أفضح مجازر إسرائيل وسادية المحتل… ولأني أبجل المعتقلين وأحب السلام… وأدعو أحرار العالم إلى الكتابة عن القدس وحجرها وزيتونتها… لأني أتغنى ببلاد العرب المنهوبة والتراث… وأرفع في شعري الرضيع علي دوابشه الذي حرقه المستوطنون ظلما.. إلخ.

س8: ما هو موقفك من المنتديات… ووسائل التواصل… ودورها في تعزيز الشعر…؟

المنتديات ووسائل التواصل الاجتماعي فرضت نفسها، وتكاد تحل مكان الإعلام التقليدي… وأرى فيها دورا إيجابيا في نشر الشعر وابراز المواهب والشعراء… مع تحفظي على الاعجابات الوهمية.. والتصويت الزائف… علما أن فيها أيضا تزويرا وسرقة أشعار ونشر قصائد مفعمة بالأخطاء…

وهنا أنوه بمنتداكم (ملتقى شعراء وأدباء العرب) ودوره الثقافي في جمع الأدباء العرب، وإجراء مقابلات معهم، وعرض أفكارهم بحرية واحترام…

س9: قلت إن شعرك يعبِّر عن رؤية كونية، ماذا تقصد…؟

ـ الرؤية الكونية مصطلح نقدي أطلقه غولدمان في المنهج البنيوي التكويني… يعني أن الأديب الحق هو من يعبر عن تطلعات أو أفكار  «زمرة»… لها تطلعاتها… وتكون هذه الثُلّة أو «الزمرة» مناوئة لثُلّة أخرى… وحين أدافع عن مجموعة أفراد من مشارب مختلفة ومتنوعة، لها ذات التطلعات، أكون انتقلت من الفردية المكانية إلى الأرحب وهو الكونية، لأن الفكر لا تحدّه الجغرافيا، بالتالي، فإن دفاعي عن القدس وكل فلسطين وحق العودة… في مقابل إسرائيل والطغيان العالمي الذي أصفه بشاهد الزور واللاإنساني، أكون معبّراً بهذا عن رؤية كونية.

س10: ديوانك الموسوم بزيتونة القدس، برايك لِمَ اهتمّت به الوكالات كرويترز، والمواقع، والصحف، التي لا تعتبر مناهضة لإسرائيل، مع أنه مناهض للإحتلال؟

ـ نعم، سؤال وجيه جدا… لم اهتمت به رويترز ونشرته…؟ طبيعي لأني أولا صادق… ولأن ديواني يدافع عن فلسطين والقدس بصدق.. والصادق يصل صوته مهما طال الزمن… وهناك من يكتب بتلك الوكالات، ولا يزال قلمه وقلبه ينبض بحب القدس…

حقيقة، من يحاول المهادنة أو التكاذب لا يحترمه أحد؛ ولا سيما الوكالات والصحف المرموقة… ديواني يقول: إسرائيل مجرمة إرهابية وكل مصائب العرب هي من تشعلها… قتلت… وجزرت بالأطفال… اغتصبت… وتعتقل آلاف الاحرار، وتقطع الحياة والشجر…أليس هذا حقيقة؟ والصحافة الجادة والمحترمة تعد نفسها ملزمة  بتقديم الحقيقة…؟!

وهنا أقدم رسالة لكل ذي سلطة… لن يحترمك عدوك والآخر إلا إن كانت صادقا، تدافع عن ضمير شعبك المعذب الفقير… فأنا اقتدي بهذا القول، حتى لو دفعت ثمنه حياتي…

وبالعودة إلى الوكالات والمواقع والصحف، ربما مدحت ديواني لأني صادق… ولأن قضية القدس وفلسطين…قضية حرية… لأن كلام الحق عنوان الديوان… وهم فهموا أنني منحاز للحق والحقيقة من خلال إهدائي ديواني للشهيدة الأميركية. وبالمناسبة أشكر كاتب الموضوع المميز عن ديواني الأستاذ أيمن سعد الذي أوضح في موضوعه لرويترز مرامي الديوان… وأن كل ما يحدث في العالم العربي ناتج عن الاحتلال الإسرائيلي لقلبنا فلسطين…

س12: سؤال مهم لو سمحت… لم أهديت ديوانك زيتونة القدس للاميركية التي قتلها الاحتلال؟

ـ نعم، أهديت ديواني للفتاة الأميركية التي استشهدت في فلسطين وهي تدافع عن عرضنا وشرفنا… بصرف النظر عن دينها أو لونها… فهي شهيدة شهيدة شهيدة بامتياز… ومن الطبيعي أن نرد لها التحية… فهي قدمت دمها على درب الحرية وفلسطين.

وقد أهديتها الديوان بكل صراحة حين قلت في التقديم: «زيتونة القدس»… الذي «أهديه إلى حجر القدس، والمقدسيات، وعشاق القدس، وأحرار العالم، وتلك الفتاة الأوروبية التي تركت وطنها لتستشهد في القدس، مدافعة عن زيتونتها وشرفنا…»

س10: في الآونة الأخيرة نرى تراجعا في اللغة بشكل ملحوظ… لم هذا التراجع للغة و… والنفور من الكتاب؟

ـ اللغة في حالة تدهور؛ والأسباب جمة…كثغرات المنهج التعليمي ودور الأهل… وانتشار العامية… والتباهي بلغات أجنبية… وسبب النفور أيضا انتشار وسائل التواصل الاجتماعي وغير ذلك… كعدم تدريب الطفل بالمدرسة أو البيت…

وكذلك النفور من الكتاب له بواعثه أيضا، كقصور التربية، وانتشار التكنولوجيا… وعوامل شخصية ونفسية واقتصادية أحيانا… مع هذا، يبقى الكتاب متربعا على عرش مملكة الثقافة…

س11: في شعرك مؤشرات نفسية…حدثنا عنها وعن رمزية الوطن والأماكن… ولم تكثر الثنائيات في أدبك؟

ـ نعم…هناك مؤشرات نفسية…لأن الوطن يرمز إلى رحم الأم…فحين نكون فيه نشعر بالأمان كالجنين في الرحم…والعكس.

والوطن يرمز إلى الأم… والحياة الفردوسية…

من الطبيعي هذه الثنائيات، لأننا أمام نصر وشهادة وحياة وموت ومحتل وشعب مظلوم…  فضلا عن أن الثنائيات تقوي المعاني ووجهة نظري في التمرد على الواقع المرير…

وحتى لو كانت أوروبية أو أثيوبية أو هندية… سأهديها كل أشعاري… لأنها عروس الثوار والأحرار…

س13: لم تركيزك على أدب «اللجوء» بشكل عام والفلسطيني تحديدا؟ وهل تعد فلسطين مادة دسمة للشعر وكيف؟

ـ سؤال مهم سيدة سهام… «اللجوء»  يحمل قضية… قضية حرية وحياة… مقابل الموت الذي يزرعه المحتل… وأنا أعتز بكوني أقدم كلمة لوطن مقدّس … وطن الحب والقيم… وطن يهفو إليه عشاق الشهادة… … ومن الطبيعي أن أكتب عن قضية لا سلام من دون حلها… قضية الحرية والتمرد بامتياز… قضية المصير والحق…

بالطبع فلسطين مادة خصبة جدا للشعر الثوري… وهنا أدعو الشعراء وأحرار العالم إلى الكتابة بغزارة عن فلسطين والقدس… لأنها دليل أخلاق ورقي… إنها عنوان الأدب الثوري الشريف…

س14: ما سبب لجوئك إلى التراث… وما مظاهر التجديد في ديوانك؟

ـ التراث يعني الجذور والأصالة…والقدس أساس الحضارة والتراث؛ لذا، من الطبيعي العودة إلى العصر الأموي والسوق العباسي وآثار صور وبيروت و… فالتراث مادة دسمة لكتابتنا، يعمق صورها ورؤاها ودلالاتها…

ومن مظاهر التجديد في شعري مزجي بين خصائص الحداثة والتراث… والوقوف على القدس بدل الأطلال… ومضامين جديدة كالمعتقلين…والانزياحات التراثية… وايقاعات متمردة… وتطويع اللغة لأهداف تحريضية ثورية… والإيقاع الداخلي المشع بالحنين والحالات النفسية… والأهم تطعيم الشعر بنظريات علم النفس بقصيدة عن قبح نرسيس وغيرها.

س15: أطلقت إحدى الصحف الخليجية على ديوانك… الشعر المقاوم… هل التسمية صائبة؟

ـ نعم، وصف شعري بالشعر المقاوم، وصف دقيق أعتز به… والسبب؟ أنني وجهت جل شعري إلى أشرف قضية على الأرض… وهي قضية القدس والقرى والمدن الفلسطينية المنهوبة؛ كالحولة والناعمة وغزة والقدس وحيفا ويافا…

الكلمة أيضا تثور، تقاوم، تحرر، ترجم العدو المحتل، تنصر المقاومين وتحرضهم، وتواكبهم، وتصور النصر والشهادة… لذا، شعري مقاوم… لأنه سلاح… وأدعي أنه وثيقة حقوقية دولية سوف ترفع في وجه الظالم وترميه في سجون العار…

س16: ماهي الجوائز والتكريمات التي حصلت عليها؟

ـ أنا في الحقيقة لا أحب الظهور… علما أنني عملت في الصحافة مدة طويلة وحاصل على إجازتين من كلية الإعلام… والجوائز أنالها حين يعم السلام بلاد الكرام… وحين تتحرر كل فلسطين… وتزغرد زهرات القدس…

ومع ذلك، كرمت في المدارس التي  درست فيها وبعد الانتهاء من خدمة العلم…فضلا عن منتديات وجرائد جمة.

س17: ماذا تحمل ذاكرتك مما لا ينسى…؟

ـ مشاهد أطفال حرقتهم الطائرات الإسرائيلية في حرب تموز 2006، في مستشفى جبل عامل في صور جنوبي لبنان…حين كنت أعمل في الصحافة…

س18: ما العنوان الذي تقترحه للقائنا…؟ وهل يمكنك أن تقدم له قصيدة؟

ـ عنوان اللقاء هو حلم العودة إلى القدس، وهذه قصيدة بعنوان حلم العودة الى القدس:

أَيَا مَسْرَحَ الشُّجْعَانِ نَوَّرْتَ فِي الذِّكْرَى/ فَقَدْ خَلَّدَتْ شَمْسَايَ سَاحَاتِكَ العُظْمَى

رَأَيْتُ وُفُوْدَ العَائِدِيْنَ تَجَمَّعَتْ/ لِيَشْرَبَ مَاءً نَجْمُ نَصْرٍ وَبُشْرَى

وَلَحَّنَ بِالأَوْتَارِ فِي الحَارَةِ امْرُؤٌ/ فَحَاوَلَ بِالقِيْثَارِ أَنْ يَنْظُمَ الشِّعْرَا

طَرِبْنَا بِهَا حَتَّى أَطَلَّ صَبَاحُنَا/ وَكَانَتْ هُمُوْمُ الَّليِلِ لَا تَقْمَعُ الدَّهْرَا

بَنَاتٌ حَلِيْمَاتٌ كَوَاحَاتِ ثَائِرٍ/ يُحَاوِلْنَ أَنْ يَقْطُفْنَ مِنْ شُعْلَتِي البَحْرَا

يُحَدِّثْنَنِي وَالعَنْدَلِيْبُ مُلَحِّنٌ/ فَهَلْ أَجْمَعُ الأَلْحَانَ أَوْ أَسْمَعُ النّثْرَا؟

وَفِيْ القُدْسِ كَانَ المُلْتَقَى بَعْدَ ظُلْمَةٍ/ فَيَا حَبّذَا النَّبْعُ الّذِي يشْبهُ الخَمْرَا

تَهَادَى خَرِيْرُ المَاءِ بَيْنَ مَشَاعِرِي/ وَغَرَّدَتِ الأَغْصَانُ مِنْ فَوْقِنَا سُكْرَا

وَكَانَتْ أَمَامِي نَسْمَةٌ نَاعِمِيَّةٌ*/ تُهَذِّبُنِي طَوْرًاً وَتُنْعِشُنِي طَوْرَا

سَقَيْنَا مِنَ الحَارَاتِ نُوْرَ شَبابِنَا/ ولَمْ نَرْمِ مِنْ مَعْنَاهُ وَصْلًا وَلَا عِطْرَا

لَجَأْنَا إِلَى الحَارَاتِ وَهْيَ مَتَاهَةٌ/ يُقيِّدُنَا الأَشْرَارُ مِنْ بَعْدِهِم دَهْرَا

وَيَا حَافِظَ الأَوْطِانِ دُوْنَكَ مُهْجَتِي/ فَهَبْنِي الثَّوَانِي فِي المَسَرَّةِ لَا شَهْرَا

*ناعمية: نسبة إلى قرية الناعمة.

هذا الحلم في قصيدتي… هو ما أحلم به… وأرجو من الله أن أعيش إلى ذلك اليوم الذي نعود جميعا فيه إلى القدس… مع كل أحرار العالم… لأن القدس هي لكل حر… والسكوت على الحق لا يجوز… فالقدس عرضنا وشرفنا وهواؤنا وماؤنا… فلم نحن غافلون؟!

س19: لم تصف بيت القدس بالساحر؟

ـ لأنه ساحر… كما يبدو في قصيدتي:

بَيْتُ القُدْسِ السَّاحِرُ

قِفْ بِيْ عَلَى مَنْزِلٍ بِالقُدْسِ قَدْ سَحَرَا/

أَبْدَى الشُّجَاعُ لَنَا فِي حُبِّهِ عِبَرَا/

أَيْنَ الأَحِبَّةُ؟ قَدْ كَانَتْ رُؤُوْسُهمُ/

شَمْسًا تُخَجِّل مِنْهَا النَّجْمَ وَالمَطَرَا/

سَرَحْتُ فِيْهِ فَلَمْ أَلْمَحْ لَهُمْ أَثَرًا/

بَيْنَ الدَّمَارِ وَلَمْ أَسْمَعْ لَهُمْ خَبَرَا/

أَحِبّةٌ كَانَ مَشْهُوْرًا بَرِيْقُهُمُ/

حَتّى تَطَاوَلَ شَعْبُ العُهْرِ فَانْتَشَرَا/

لَوْلَاهُمُ مَا شَفَانِي السَّيْفُ مُعْتَذِرًا/

مِمّا يُؤَرِّقُنِي مِنْهُم وَلَا…

س20: ما موقفك من المقدسيات؟ وماذا تهديهن؟

ـ المقدسية تعلمنا الكفاح، وهي رمز للدفاع عن الأقصى… وأهديهن هذه القصيدة:

المقدسيات… شعلات الحرية

قصيدة مهداة إلى نجمات الحرية المقدسيات اللواتي يدافعن بدمائهن الخضراء عن حياض الأقصى… فيما جيوش العهر تصم آذانها… وتغني!

لِمَنِ النُّفُوْسُ غَزِيْرَة الأَمْوَاجِ / يَسْطَعْنَ بَيْنَ القُدْسِ والدِّيْبَاجِ

مِنْ كُلِّ رَائِعَةِ الخِصَالِ كَجَنّةٍ / فِي نَجْمَةٍ قَدْ غُمِّسَتْ مِنْ عَاجِ

تَهْدِي وَتَجْمُلُ فِي الكِفَاحِ كَأَنَّهَا / شَعْبٌ تَحَرّرَ مِنْ عِدَى رَجْرَاجِ*

رُدَّتْ بِهِنّ مَنَاصِبٌ وَشَرَائِعٌ / وَسَمَتْ بِهِنّ كَوَاكِبٌ وَنَوَاجِي*

فِيْهِنَّ خَضْراءُ الدماءِ كأَنّها / شَمْسٌ مُنَوِّرَةٌ على الأبراجِ

سَطَعَ النّضالُ كَبَارِقٍ في قدسِهَا فكأنّما مَكَثَ الفِدا بِغُنَاجِ

أَثْنَيْتُ ثُمَّ رَوَيْتُ ثُمَّ هَجَوْتُ مَا أَشْقَى وَلَمْ يَسْمَعْ بِذَاكَ مُنَاجِي

وَمَدَحْتُ ثُمَّ فَخَرْتُ ثُمَّ دَخَلْتُ فِي عَلَمٍ تَنَاهَى بِيْ إِلَى الإِنْضَاجِ*

* كلمة أخيرة…؟

ـ أختم كلامي معكم… بشكر خاص للسيدة سهام والملتقى الكريم…

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *