الخميس 18 أبريل, 2024

حين تغيب الأمانة العلمية

هكذا يسرق مدعو الألقاب العلمية أبحاثهم من الإنترنت وغيره!

حين تغيب الأمانة العلمية وقوانين الحقوق الفكرية والأخلاق!

بقلم د. أنور عبد الحميد الموسى

mousa2-1

   خاص ـ مدارك ثقافية

660“لن أقبل أبحاثا منسوخة بثوانٍ من الإنترنت!”عبارة أثارت الارتباك لدى عشرات الطلاب حين أطلقها مشرف في جامعة مرموقة شرطا رئيسا لقبول الأبحاث. وأردف متسائلا: “بربكم، من سحب بحثا من دون تغيير من الشبكة العنكبوتية؟”

    فوجئ بإجابات صريحة قدمها رامي: “نسخته حرفيا من الموقع؛ لأنه وافٍ بالمطلوب”. وعللت زميلته سهى…: “إنه عصر السرعة. كنت مريضة. حذفت منه قليلا. نسخته من غير موقع. المهم النجاح”.

     عبارات قد تبدو عادية؛ لكن دلالاتها تختصر واقعا أكاديميا يشير إلى “عزوف شريحة كبيرة من الطلاب ومدعي الثقافة والرتب عن المطالعة، وارتياد المكتبات”؛ لصالح الاستفادة المباشرة من التقنيات التي وفرتها التكنولوجيا الحديثة… ولو على حساب الأمانة والدقة والموضوعية!

رحلة الطلاب أو الباحث المزور مع البحث

    غالبية الباحثين والطلاب لا تنكر استفادتها المباشرة من الإنترنت… ولكل طالب مسوغاته. تقول فاطمة بزيع (اجتماع): “ضيق الوقت يضطرنا إلى البحث عن معلومات عبر الإنترنت؛ ولا سيما أن المناهج الحديثة تكثف الأبحاث والمواد والدروس.. فتخنقنا…، وبالتالي، لا وقت لدينا لارتياد المكتبات في كلياتنا”، يقاطعها زميلها محمد يونس: “أين المكتبات الغنية؟!”… فقرانا ومدننا، حتى كلياتنا، غير مزودة بمكتبات لائقة، سواء من ناحية مقتنياتها أو كادرها البشري والتهوئة والإنارة…”

   الأسباب السابقة تدفع روي جرجس (فرنسي)، وزملاءه إلى ردم الهوة عبر اللجوء إلى الإنترنت: “فصحيح أن المعلومات فيه قد تكون غير موثقة، لكن البحث يمر على الدكتور الذي لا يفقه ألاعيب الإنترنت”…

    عبد سعد يلقي اللوم على الطالب المتراخي، رافضا النقل الحرفي: “الإنترنت يوفر إمكانيات هائلة للمطالعة والمعرفة… فما العيب في الاستفادة منه للبحث؟”…  توافقه جاكلين سعادة (ثالثة انكليزي) الرأي، فتؤيد الاستعانة بـ”غوغل” وغيره من المواقع، شريطة أن يتسلح الباحث بثقافة تخوله تمييز الغث من السمين… تضيف: لا يجوز للطالب نسخ البحث حرفيا، ونسبته لنفسه… فأين الأمانة العلمية في ذلك؟ وأين حقوق النشر والتأليف؟ وأين الضمير الأكاديمي؟”

    وفي نظر ولاء الدبس (عربي)، الاستفادة لا تقتصر على الإنترنت، بل هناك البرامج والكتب الالكترونية: “لكن الخطورة في سرقة كتب وفصول كاملة!” وهو ما يحدث مع طلاب كثر أعرفهم من مختلف الكليات والاختصاصات، فيغيّرون فقط الاسم واسم الجامعة والتاريخ والاستاذ المشرف…”، وتستطرد هازئة: “ذات مرة، نست زميلتي حذف اسم المؤلف، فأضحى بحثها لمؤلفين!”

     وتسرد الطالبة مايا فضل (علم نفس) أسبابا أخرى للإغارة على جهود الآخرين: “عدم تثقيف الطالب كما يجب بضرورة ارتياد المكتبة، وإهمال الكتاب، وانقلاب سلم القيم…، وعدم الرغبة في الاختصاص، والهموم”، مشيرة إلى ضرورة إدخال مادة استخدام التكنولوجيا في خدمة العلوم في المناهج منذ المرحلة الابتدائية…

    والمؤسف في نظر جابر المحمود أن بعض المحاضرين يسرقون أبحاثا بحرفيتها من الإنترنت، ويعزونها لأنفسهم، من دون تغيير… فكيف نلوم الطالب عندئذٍ؟

    والواقع أن القضية في نظر أحمد خليل (ماستر تربية) قد تبدو مغفورة لطلاب الإجازة: “شريطة المقارنة، والاستفادة من غير مرجع، وتوليف معلومات الكتب مع ما يجنى عبر الإنترنت”؛ لكن الخطورة في سرقة البحث كاملا بأخطائه وعلاته… والمصيبة في رأي جاكلين إلياس(فرنسي) تقع عند طلاب الماستر الذين قد يتورطون بهذه الآفة؛ فبعضهم يمر نتيجة جهل المشرف أو لجنة المناقشة لما ينشر عبر الإنترنت… والمصيبة الكبرى تحل على سارق البحث! فالعقوبة قد تصل إلى التشهير والسخرية…”

    لقضية سرقة الأبحاث جذورها في المرحلة المتوسطة والثانوية. سامي سلوم (صاحب محل إنترنت) يؤكد أن طلابا كثرا من مختلف المراحل: “يوصونني بالبحث عن موضوعات، فأسحبها لهم بالورق، وتكون الفائدة مزدوجة لي ولهم، لكني أنصحهم بقراءتها، خوفا من ذكر الاسم داخل البحث…”

    بدوره، لا يفاجأ المدرس حاتم قادر بالأمر؛ لأنه حتى الشهادات الجامعية باتت تشرى من بعض الدكاكين (الجامعات الخاصة): “أعرف زميلا نال إجازة جامعية بلا دراسة، فقط كان يسجل اسمه وقت الإمتحان، “بالدفع والواسطة كله بيصير بهالبلد”!”

آراء المشرفين

     صحيح أن مفهوم قانون حماية الملكية يلقى جدلا عالميا؛ فإن لهذا المفهوم إهمالا مضاعفا في لبنان. وهنا يسأل د. حسام راغب: ما السبيل لحل هذه الاشكالية في المستقبل؟… “فالمسألة معقدة، والسرقة ستتضاعف في المستقبل، نتيجة ثغرات المناهج، والتأثير المباشر للتكنولوجيا في سلوك الطلاب وعاداتهم”.

    وللدكتور كاظم هاشم تجارب ملموسة: “تتضاعف هذه الظاهرة في الإجازة، وهي فضيحة للطالب ومشرفه في الماستر”، مؤكدا أنه يضبط حالات كثيرة سنويا: “فأنبه الطلاب إلى أن الاستفادة من أبحاث الإنترنت مسموحة، بل مطلوبة، شريطة عدم النسخ الحرفي، ومراعاة شروط البحث والتقميش والاقتباس…”، مؤكدا أن المعلومات التي قد يتبناها الطالب، ويعدها مسلمات، تحتاج إلى تدقيق، وتصويب ومقارنة وإعادة نظر… فالاقتباس من الإنترنت ليس سهلا؛ لأن الطالب الجاد عليه أن يدقق لغويا وإخراجيا، ويتحقق من المعلومة ومصدرها؛ لأن الكاتب الذي ينشر موضوعه في الإنترنت، له ميوله وأهواؤه، وقد لا يكون متخصصا؛ وبالتالي لا يجوز لطلابنا أن يكونوا معدومي الشخصية، يقتاتون مما يكتبه الآخرون…”.

     الآراء السابقة يتبناها د.إياد الحسيني: “المسؤولية في الكشف عن الأبحاث المسروقة ملقاة على كاهل المشرف نفسه، فعليه التزود بآليات البحث عبر الإنترنت والوسائل الحديثة، وارتياد مكتبات الإنترنت والمواقع، ولا سيما في ميدان تخصصه…”، ويروي مواقف له مع الطلاب: “كشفت أحدهم من خلال أسلوب البحث المميز، فشككت بالأمرـ ثم بحثت عبر الإنترنت، ليتبين أن البحث منشور في موقعين…عندئذٍ، أخذت أنبه طلابي أن البحث عبر الإنترنت ممنوع”.

     يعارضه الرأي د.خالد معاليقي: “منع طلابنا… غير مسوغ؛ لأن العصر تجاوزنا، وفرضت التقنيات الحديثة نفسها على واقعنا؛ بالتالي، يُسمح للطالب البحث لا النسخ عبر الإنترنت، ضمن ضوابط… وحبذا لو نطور مناهجنا لمواكبة التطور… فالبحث عبر الإنترنت.. أكثر صعوبة من المطالعة بالأوعية الورقية، لأن إعادة الصياغة تحتاج الى تعاضد مهارات كتابية جمة…”

     وهكذا، فإن البحث الإلكتروني فرض نفسه علينا بقوة، ولا سيما في ظل الدعوة إلى التعلم الفردي والتعلم من بعد؛ ولذا، يرى ماجد السيد “أن الكتاب، مع أهميته، لم يعد محتكرا وحيدا للبحث، بل تؤازره الوسائط الحديثة، بكل أشكالها…”

    ومع ذلك، تؤكد ميرفت الحسن أن الكتاب خير جليس، وتؤازره مصادر أخرى كالوسائط الورقية (مجلة وجريدة…)، والمرئية والمسموعة… شريطة أن يتحلى الطالب بالخلفية الثقافية، ونسبة الفضل لأهله…”

أمناء المكتبات

     يلحظ أمناء المكتبات انخفاضا ملحوظا لزوار المكتبات، ويعزو فاضل كريم (أمين مكتبة) سبب ذلك إلى توجه الطلاب للكافيتيريا أو الإنترنت أو وسائل لهو أخرى. “فالمقاعد في مكتباتنا شبه مهجورة، ورواد المكتبات أسبوعيا لا يتجاوزون عدد أصابع اليد… الطلاب يسألوننا عن الإنترنت، فتزدحم الأجهزة بهم، لكن المؤسف أن الإنترنت في مكتباتنا لا يستخدم كثيرا للبحث الأكاديمي، بل للمنافع الخاصة…”

    الكلام السابق، يتقاطع مع ما يبوح به رمزي الأشقر: المشكلة متعددة الوجوه، فمن جهة يفتقد لبنان لمكتبة مركزية وطنية غنية، ومن جهة أخرى، هجر طلابنا الكتب لصالح وسائط حديثة”، داعيا إلى ربط المكتبات بالإنترنت، ونشر الكتب الجادة… وتخفيض أسعارها، وتشجيع التأليف…”

علم النفس والاجتماع

    من ناحيتها، تشدد مرفت سريس (علم نفس) على أن الشاب الجامعي كثيرا ما يشعر بالاحباط والقلق؛ فالعمل بعد التخرج غير مضمون، وآفاق المستقبل مجهولة، وبالتالي، ينعكس ذلك على تحصيل الطالب الذي قد يبحث عن النجاح من أقصر السبل (السرقة)… فيما ترى مايا علوية (علم اجتماع) أن الوضع الاقتصادي والاجتماعي المأزوم، قد يقلل الدافعية عند الطالب، فضلا عن أن تكلفة البحث عبر الإنترنت منخفضة قياسا بالبحث في المكتبات الموزعة في غير كلية، ناهيك عن أن مكتبات الجامعات الخاصة المرموقة، تمنع طلاب الجامعة الوطنية وغيرها من الاستفادة من خدماتها…”، داعية إلى التعاون بين الجامعات “للتكامل في تقديم خدمات الكتب والبحث، فضلا عن أن الميزانية التي تخصصها الدولة للبحث العلمي قليلة…”

    …سرقة الأبحاث مسألة خطيرة، وتلقي بظلالها على مستقبل الشاب والقيم، وهي لا تقتصر على الطلاب، إنما تمتد إلى شرائح مهمة ممن يسمون أنفسهم باحثين أو دارسين أو دكاترة أو محللين… فإلى متى تبقى الكتب مهجورة من قاموس دارسين متخصصين وجامعيين؟ ولِمَ يتجاهل الأخيرون مقولة: من طلب العلا سهر الليالي؟!

مقالات ذات صله

  1. حبيب طنطاوي

    التلاص الأدبي:
    قبل سنوات قريبة صدر بمصر عن قصور الثقافة كتاب الشاعر والناقد الفلسطيني الشهير ( عزالدين المناصرة ) كتابه ( علم التناص والتلاص ). … ومؤخرا حدثت فضيخة في جامعة الإسكندرية – قسم اللغات الشرقية – الأدب العبري )حيث سطت أكاديمية متخصصة في الثقافة الإسرائيلية على بحث للدكتور الأردني إبراهيم الياسين ( جامعة الطفيلة التقنية ) – بعنوان ( الرموز التراثية في شعر الشاعر الفلسطيني عزالدين المناصرة ) سبق أن نشر في مجلة كلية الأداب – جامعة دمشق ) . ورغم أن الباحث الأردني تقدم بشكوى رسمية الى رئيس جامعة الإسكندرية اتهمها بالسطو ( التلاص ) على بحثه الا أن جامعة الإسكندرية لم تحرك ساكنا – ( الباعحثة المتهمة بالسرقة العلمية تدعى : الدكتورة وفاء محمود الشناوي ).. ما رأيكم.

    الرد
    1. علي دهيني

      الكاتب العزيز…
      بعد التحية…
      اشجعك على الدفاع عن الأمانة العلمية، وحق المؤلف…
      المؤسف ان بلادنا لا تحمي حقوق الملكية والفكر… هي أساسا لا تحترم الإنسان وشرفه وجسده وحياته… فكيف ستحمي فكره؟
      في الواقع، أرى أن السطو على جهد الغير، وكتاباته، سرقة من اسوأ صنوف النهب، والغريب ان السارق يدعي الإيمان والاخلاق…
      لعمري، إنه منافق ضيع الأوطان والحق، وربما ضيع عقله وعرضه…وشرفه..
      مودتي
      اخوكم د أنور الموسى

      الرد

الرد على علي دهيني اغلق الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *