الخميس 28 مارس, 2024

«أسد البصرة» لضياء الجبيلي

«أسد البصرة» لضياء الجبيلي: عراق التنوع

سارة ضاهر

911«أسد البصرة» (منشورات الجمل) هي الرواية الخامسة للكاتب العراقي ضياء الجبيلي، الحائز «جائزة دبي الثقافية» عن روايته «لعنة ماركيز». الكاتب الذي تركّزت أعماله على تحليل الحياة الاجتماعيّة، والسياسيّة، لبلده العراق، وتحديدًا لمدينته البصرة المليئة بالأحداث المتراكمة عبر الأزمنة وصولا إلى عصر التكنولوجيا الحديث. أعمال وظّف فيها الكاتب الحالة التاريخيّة، بدءًا من المرحلة الديكتاتوريّة، امتدادًا إلى فترة ما بعد الاحتلال الأميركي للعراق؛ وربّما واجه صعوبة في كيفيّة توظيف الحدث التاريخي في الرواية، إلا أنّه كتب التاريخ بطابَع ابتعد من السرديّة الساذجة أو المنمّقة وصوّر الحالات وتطوّر الشخصيّات في تلك الفترة.

يتناول صاحب «تذكار الجنرال مود» في روايته الأخيرة هذه، مسألة الأقليّات، والمجتمعات العرقية المختلفة، والهويات، والطوائف المذهبية، من خلال قصة حبّ عاشها كلّ من الرجل اليهوديّ والسّيدة الأرمنيّة في البصرة في خمسينيات القرن الماضي، حيث كانا يعملان سويًّا في القنصلية البريطانية. وهي الفترة الزمنية التي تغلغل فيها، بشكل سري، عناصر الوكالة اليهودية للهجرة من ناحية، وبعض مؤسسات الهجرة المسيحية السرية من ناحية أخرى، في العراق وتحديدا في البصرة، بهدف انتشال ما تبقى من كبار السن من اليهود العراقيين، أو من يرغب في الهجرة من الأرمن البصريين لترحيلهم إلى إسرائيل أو إلى أرمينيا.

تكلّلت قصّة الحب بالزواج المدني. تزوّج الحبيبان برغم صعوبة اتخاذ هكذا قرار في هكذا مجتمع. لكنّ القصّة لم تنتهِ، بل بدأت. بدأت العائلة المكوَّنَة حديثًا تعاني من نظرة المجتمع الرافض والحاقد على هذا الزواج. ثمّ ما لبث الزوجان أن غابا أو تمّ تغييبهما عن الوجود بطريقة غامضة، بعد أن أثمر هذا الزواج طفلًا، بل رمزًا لولادة مشكلة.

البصرة الرواية

عكس الكاتب الصراع الدائر على أرض الواقع، أحداثًا على صفحات روايته، وتحوّلت الأخبار الّتي نسمعها في نشرات الأخبار يوميًّا، أحاديث على ألسنة أبطاله. لكنّ الشخصيّة الرّئيسة أو البطل هنا، لم يكن خبيرًا بمصيره، ويشوب العوامل المحيطة به، غموض بين مساعد ومعاكس. بدأت المشاكل لكسب حضانة الطفل. منهم من كان يريده أن يرجع إلى «إسرائيل» بلد والده. ومنهم، أو خالته التي تريد ترحيله وتبقيه تحت عباءة الكنيسة المسيحية، ليتربى في ظلّ المجتمع المسيحي. وبعد الخلافات بين عمّته وخالته، تمّ تسليمه إلى عائلة مسلمة كانت قد تبنّته. فما لبث أن وجد نفسه محاصرا بصراعات الأعراق والمذاهب، هو المشتّت من سيتبع؟ هل يبقى بأرضه ويرضى بانتمائه للأرض والدولة أم سيأخذ خيارات أخرى؟

«البصرة» مدينة تتحوّل إلى رواية، بل روايات، تلهم الكاتب، وتبوح له بالمزيد من أسرار كسرها لا انكسارها. فالبطل المولود في البصرة، لطالما كان يعتبر أنّ قصّته قصّة دسمة مليئة بالأحداث، ورواية مميّزة ومادّة خامٌ للقراء، خاصة إذا كانت من كتابة ماريو فارغاس يوسا (الكاتب القادم إلى العراق بحثًا عن رواية حقيقيّة يكتبها). يعكس الكاتب من خلال هذا البطل صورة مدينة، أو بلد دمّرته ومزّقته الطائفيّة والمذهبية. هذه المدينة التي استحوذت على مكان الرواية، اعتبرها الجبيلي مصدرًا أساسيًّا لتأمين تفاصيل روايته، ليكرّس واقع العراق الحقيقي والخلفيّة الفكريّة لهذا المجتمع، ومدى تأثر الناس وتبدّلهم جرّاء هذه الأحداث، عبر تقلبات الزمن من الماضي إلى الحاضر والمستقبل.

فصراعات الماضي أخذت قسطًا كبيرًا من تفكير بطل الرواية، زواج أهله واختفاؤهم، وما حصل بعد فترة غيابهم وحياته التي عاشها في صراع سواء بين خالته وعمته أو صراعه مع مَن تبناه وعلاقته به. والحاضر الذي يتآكله من حيرة، وضياع، ومستقبله غير الواضح المعالم.

يجلس عند عمته هيلا ويحبس نفسه في غرفته يقرأ، يأكل، يبكي، يذهب إلى «ماريو فارغاس»، يبدأ تمارينه بصوت عال كيف سيتحدّث معه، تسمعه عمّته وتناديه، لا يردّ يومين وثلاثة، تطلب منه الذهاب معها إلى اسرائيل، تلحّ، تغضب، تشتم، عندما يقابل طلبها بالعناد قائلا:

«اغوح» على جهنم… يردّ عليها بمزيد من الغضب هذا أحسن ما «اغوح» على إسرائيل .

جهنم أفضل من إسرائيل. وبقي البطل في العراق. بقيت تلك الثمرة/ المشكلة، التي جسّدها الطفل، والتي أنشأت صراعًا بين المسلمين، المسيحيين واليهود. بقي هذا الرمز في العراق، في بلد عربي. لم توضح الرواية سبب هذا الخيار، ولا نتيجته، بل كان الصراع مسيطرا على الشخصيّة، ليبدو السّرد قائمًا على المقابلات، الاسترجاع، الحنين والحزن، والكثير من الدين. ولا تأتي سطوة عنصر الدّين والقوميّة على الرواية، بغريبة عن واقع الحال، سواء في العراق أو في أكثر من بلد عربي، خاصّة مع ما نشهده منذ ما يقارب الستة أعوام.

ربما أرادنا الكاتب أن نرى الصراعات التي نعيشها من خلال أبطال آخرين، أن نرى الخوف والبكاء والكره والفشل.

نشر هذا المقال في جريدة السفير بتاريخ 2016-08-25 على الصفحة رقم 10 – ثقافة

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *