الجمعة 29 مارس, 2024

اللغة العربية في خطر أغترابياً

اللغة العربية في خطر إغترابياً

سوزان عون*

9ef38a26-ff04-4243-a940-005a3bf88b98الأدباءُ والشعراءُ والكتّابُ هم روّاد أممهم، وهم الذين قادوا ركب الحضارة ورفعوا مشاعل التنوير، وكانوا أطواداً شامخةً تتكسّرُ عليها مؤامرات أعداء الأمم الحضارية على مرّ التاريخ والسنين.

هم اللسان الناطق لأمتهم يَرِدُ إليهم الظمآن الصادي والريّان العادي. هكذا كانوا وهكذا يستشعر كل من يحمل رسالة أدبية. فالكتابة هي تجربة ذاتية لصورة الواقع المنعكس على مرآة روح الكاتب أو الشاعر وفكره ووجدانه، تُترجمُ شعراً أو نثراً أو قصة أو رواية. وبإخراج هذه الفكرة وترجمتها إلى شعر أو نص أدبي، سيشعر الكاتب بتحقيق ذاته، قهراً كان هذا المتحقق أم فرحاً، أم أي حالة شعورية تصيب الكاتب وتتفاعل معه أو يتفاعل معها.

ومن هذا المنطلق ومن هذا التوجه، وجدت أن من واجبي كشاعرة تكتب باللغة العربية لغتها الأم وتعيش في بلد أجنبي كأستراليا، تتصارع فيه اللغة العربية مع لغات مختلفة وأولاها الانكليزية لتبقى على قيد الحياة وعلى ألسن المغتربين العرب، أن تنهض وتتخلى عن صمتها، وتفعل شيئاً على الأرض لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وتطلق صرخة من آخر الأرض عسى أن تصل وتُسمع ويكون لها صدى.

ومن خلال وجودي في أستراليا، وجدتُ أن اللغة العربية فعلاً في خطر. فمعظم من هاجر من بلادنا العربية، امتنع عن التحدث باللغة العربية، وذلك لأسباب كثيرة، أولها وأخطرها، أن أكثر من هاجر وترك بلده، غير متمكن من لغته الأم، وبالتالي غير متمكن من قواعدها ولا من آدابها ولا يعرف إلا ما التقطهُ من لهجة عربية داخل بيته وفي مجتمعه، ويظنها هي اللغة العربية.

وكمدرّسة لغة عربية، ومن خلال تدريسي لمجموعة تلاميذ في سيدني، وجدتُ أن التلميذ يجد صعوبة في نطق الحرف العربي وتهجئته، والسبب أن أهله امتنعوا عن التحدث باللغة العربية أمامه، أو أن من يدرّسهُ يلفظُ الحرف العربي بطريقة خاطئة وركيكة.

اللغة العربية فعلا بخطرٍ كبير في بلاد الغربة، والأجيال القادمة لن تتكلم العربية إذا لم يهبّ أصحاب الأموال وأصحاب الهمم العالية الصادقة وقاموا بإنشاء مدارس تعلّم اللغة العربية بطريقة صحيحة وصارمة وواقعية. أعني أن لا تكون اللغة العربية مجرد حصة واحدة في يوم واحد كل الأسبوع، والتلميذ يعتبر هذه الحصة، حصة فراغ لتضييع الوقت فحسب.

أنا قلقة جداً من الأيام المقبلة، فمن هم معي على هذا الخط والتفكير ويؤمنون بما أفكر به، قلّة ولهم كل الاحترام. وأقول يجب تكثيف وهج المشهد الثقافي العربي، وتقديمه تقديماً محبباً للطفل ودعم الكتّاب والشعراء والأدباء، لينقذوا ما يمكن إنقاذه. ويجب أن تكون هناك رابطة تشرف على أسلوب وطريقة تدريس اللغة العربية، ووضع مناهج تلائم ظروف حياة التلميذ المغترب من أصول عربية.

أذكرُ، كان لديّ صديقة من الصين، قالت لي: نحن نعلم أولادنا اللغة الصينية قبل أن نسمح لهم بالتحدث بلغة أخرى. نحن نريد من أولادنا أن لا يفقدوا وسيلة الحوار والتواصل مع أجدادهم، للحفاظ على تراثنا الشعبي الثقافي.

وكذلك الأمر مع صديقتي اليونانية، التي قالت لي: أنا لا أسمح لأولادي بالتحدث باللغة الإنكليزية داخل البيت، لأنهم سيفقدون الرابط مع بلدهم الأم نهائيا، وسينسون بأن لديهم أجداداً وأهلاً يوماً ما في بلادهم.

ومن هنا ومن هذا المكان، أوجه رسالة لكل مغترب عربي، أن لا تتنازل عن حق أولادك بدراسة لغتهم الأم ولا تقبل أن يجعل الاغتراب منهم، أمماً بلا تاريخ ولا ثقافة. فالثقافة العربية ثقافة من ذهب، والإنسان إذا تعلم لغتين، أفضل له ألف مرة من إلمامه بلغة واحدة، أو أن ينسى أن دمه وترابه كانا عربيين.

بالنسبة لي، النشاطات الثقافية والأمسيات الشعرية، رغم قلتها هنا في سيدني، ولكنها لا زالت ترفد دمي بالمعرفة والشعور بالانتماء للوطن وللغة العربية. وأنوّه كيف تسعى الجالية اللبنانية والعراقية متحدين الى إيجاد مناسبات عديدة للاستفادة من وجود شعراء مخضرمين كبار يعيشون في أستراليا، فيجتمعون على طبق واحد من ذهب وهو الحرف، ورغيفهم القصيدة.

الخطوة الرائعة التي قام بها الشاعر شربل بعيني مع الدكتورة المحامية بهية أبو حمد بمساعدة زوجها سعادة القنصل اللبناني العام جورج بيطار، وذلك بإنشاء مكتبة داخل القنصلية تضم نتاجات كل الشعراء العرب، وذلك بحفظ كتبهم في مكان أمين، قبل رحيلهم واندثار ما كتبوه. هذه الخطوة المثمرة الجبارة، ستؤسس درباً متألقاً من التقدير لكل مبدع، تحثُ الكاتب والشاعر على المزيد من الإبداع والابتكار، لأنه يعلم بأن هناك من يقدّر ما كتبه وسيحفظه للأجيال القادمة.

وقام الشاعر شربل بعيني مشكوراً بتأسيس جريدة وتلفزيون وموقع الغربة، حيث يقوم مع فريق العمل ومدير العلاقات العامة في مؤسسة الغربة الإعلامية، الأستاذ المخضرم أكرم برجس المغوَش وسواهم من ناشطين، بمواكبة السهرات الشعرية والأمسيات الثقافية ودعم كل صوت مثقف، بغض النظر عن الأمور الأخرى..

تضم أستراليا أيضاً نخبة من شعراء العراق المخضرمين، أمثال شاعرنا الكبير يحيى السماوي والأديب الباحث ماجد الغرباوي، لهما مني كل الاحترام والتقدير. وأنوّه أيضاً بالجهود التي تقوم بها مجموعة من الشعراء والناشطين والإعلاميين، يضيق المكان بذكرهم جميعاً.

أذكر منهم الشاعرة الرسامة مارسيل منصور، الشاعر فؤاد نعمان الخوري، الشاعر الدكتور مروان كسّاب، والأستاذ الشاعر أنطوان قزي، الشاعر جورج منصور، الدكتور إميل الشدياق، الأديب المصري أنطوني ولسن، الشاعر وديع سعادة، الشاعر شوقي مسلماني، الشاعر عصام ملكي، الأستاذ سايد مخايل، الإعلامية هيفاء متي، كأول صحافية عراقية اشتغلت في المشهد الصحافي المهجري، د. موفق ساوا، الشاعر الإعلامي أحمد الياسري، والأديب الأب يوسف جزراوي.

وهناك شعراء يقومون بمجهود فردي في إعادة نشر ثقافة الشعر العربي وخاصة للقصيدة العموديّة كالمهندس ضياء صكر، الذي قام بطباعة ونشر ديوان والده الشاعر العراقي المرحوم تريكو صكر. وهناك من الشعراء والمبدعين الكثير، وما ذكرته، كان على سبيل الذكر لا الحصر. وهناك أيضاً الإذاعات العربية، التي تساهم أيضاً في بقاء الكلمة العربية حيّة في أسماعنا، وهي كثيرة يضيق المكان بذكرها.

أما الجرائد العربية أمثال جريدة التلغراف، وجريدة العراقية، والمستقبل، والهيروالد العربية، والأنوار، وجريدة بانوراما، وغيرها الكثير، فلها أيضاً الدور الكبير في نشر الوعي الثقافي العربي والاجتماعي.

أشير إلى أن هناك مدارس تهتم باللغة العربية، وتعتبرها من المواد الأساسية، كمعهد راهبات العائلة المقدسة المارونيات، ومدرسة الزهراء، ومدرسة الملك فهد وغيرها.

ولتنشيط الحركة الثقافية، تقام المعارض الفنية والرسم التشكيلي بجهود وتعاون أسترالي عربي كل عام، أذكر من الفنانين النشيطين الفنان محمد سعد، الذي يقيم في مالبورن، والفنانة رندة بعيني في مدينة مالبورن أيضا، الفنان حيدر عباس، والفنان عاطف العبودي، والفنانة إغنار نيازي والفنان إدريس الفريتي، ففي آخر مشاركاته وكانت في معرض الفن التشكيلي في نادي ماركوني بسيدني، اختيرت لوحته من بين 40 عملاً فنياً لتفوز بالجائزة الاولى. كما هناك دعوات تأتي للجالية العربية كالدعوة من إدارة مكتبة بلدية مدينة كامسي في سيدني، وبحضور نخبة من متذوقي الشعر والأدب في أسبوع الكتاب، يُدعى إليها الشعراء والأدباء من مختلف الجنسيات.

أما معرض الكتاب العربي الضخم الذي يقام كل عام في عدة مناطق في أستراليا، وشاركت بعرض مجموعتي الشعرية فيه، فيعمل على تزويد القارئ العربي بكل ما يحتاج إليه من كتب، ولكن للأسف رواده يتناقصون شيئاً فشيئاً.

على أمل أن تشهد الحركة الثقافية العربية في استراليا مزيدا من الإبداع، وتجدد بذاتها مفهوما جديدا للأدب المهجري، لا شك بأن الظروف الموضوعية تشكل عائقاً، ما يضيف الى مسؤوليات المعنيين في لبنان أو الجالية في أستراليا مهام جديدة تحتاج الى تعاون مشترك. إن تقديم صورة مشرقة عن ثقافتنا وتراثنا الفكري للمجتمع المضيف يزيد من الاحترام المتبادل ومن تعميق أواصر العلاقة والهوية الإنسانية المشتركة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*شاعرة وأستاذة لغة عربية في استراليا

نشر هذا المقال في جريدة السفير بتاريخ 2016-02-26 على الصفحة رقم 21 – السفير الاغترابي-استراليا

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *