الخميس 18 أبريل, 2024

شذاذ الآفاق ليسوا هم المرجع

شذاذ الآفاق ليسوا هم المرجع

علي .أ. دهيني

aliفي أرض تبعد قليلا من ضيعتي، جلست تحت شجرة خروب (خرنوب)، افتت، أو أفكك، بعضاً من افكار رغبة في تخليص بعضها من بعض، لينبهني حيث أنا “قرن خروب” سقط على رأسي من هذه الشجرة الضخمة الحجم المنتشرة الأطراف على ما لا يقل عن مئة متر مربع، وجذع لا تحوطه ذراعَا رجل واحد، وأفنان متفرعة حتى عند الجذع تبدو كأنها شجرة مستقلة وليست فرعاً من أم.

هذه الشجرة جين كنت في العاشرة تقريباً من العمر أخبرني والدي أن جدي (أبوه) ورثها عن أبيه، الذي ورثها عن أبيه..!! وأنه يحرص عليها لما تمثله من تواصل بين الأجداد والأحفاد من جهة، وبين الحديث والقديم من جهة ثانية. والأهم في هذا أن هذه الشجرة صارت ترمز إلى تجذر الثابت وتأكيد غياب المتحرك، أقصد الجمادات والروحيات أو المتحركات، لقد ورثها جدي عن أبيه، كذلك أبي، وكذلك أخي الذي كانت هذه القطعة من الأرض من نصيبه، الجميع قبله (أطال الله في عمره) غادروا الدنيا وبقيت هذه الشجرة شاهد على أن التاريخ يستمر وتتغير الوجوه.

هذا التجذُّر ليس في الجمادات المادية، بل، أيضاً، في تجذُّر الأفكار والمبادىء التي يتأدلج عليها أي شعب في أي بلد، فتتجذر في نفسه مكتسبات تراكمت ونمت في شخصية الأجداد إلى الآباء إلى الأبناء، وصارت عندهم قناعات وضوابط سلوك وأسلوب خياة وطريقة تفكير.. قناعات ذاتية تمتلك كل عناصر الصواب في فهمهم، وما عداها لا يستحق الأخذ به، ولعل حتى التفكير بمضمونه أجيِّدٌ هو أم غير جيِّد.

السيء في هذا، بعد إعمال العقل والمنطق، تجد أن كل هذا المحمول الثقافي الموروث، هو رافد وافر لكل أشكال الحقد والكراهية والبغضاء من وجهة نظر الآخر. وإن رغبت توضيح ما تراه مريب في فكره أو سلوكه، انتفض بوجهك يقرع قولك ويرفض ميزانك للحكم من أصله. مثلا إن قلت بالمنطق رفض المنطق مقياساً، وإن قلت بالفلسفة رفض الفلسفة من جذورها، وإن قلت بالعقل رفضه لأنه لا يتوافق مع معتقده الأيديولوجي، وإن قلت بالنص رفض تفسيرك، وإن قلت بالمستند رفض مصدرك.!!

والأغرب من هذا أن الكراهية والحقد والبغضاء تتسيد بعض العقول، والتي تقدم نفسها على أنها صاحبة فكر وعقل مؤدلج، حتى أن أبصار أصحابها وبصيرتهم عميت نتيجة هذا الحقد وهذه الكراهية وتلك البغضاء، بل لا يتركون مناسبة إلا بذروا ما ملأ نفوسهم وأذهب السمين من فكرهم، فقط ليرووا ما في صدورهم من غل.. ويقولون إن الله واحد، وإن الله ربنا، في حين أن حقدهم ذاك منصب على أمثالهم ممن يقولون إن الله ربنا وإن الله واحد، فيتهمونه بالكفر تحليلاً لهدر دمه وقتله.

والعجيب الغريب، أن مفكرين وأهل علم، بقصد أو غير قصد، يساتدون هؤلاء في غيّهم، ويأخذون من شذاذ المدارس الأخرى والمغالين فيهم، ما يقولونه، ويبنون عليه نقدهم بصيغة لاذعة هدامة تكاد تحاكي منطق الكراهية ذاك، بدل أن يعودوا إلى مناهل تلك المدارس الأخرى ليطلعوا على حقائق توجهاتها وأصول فكرها، ويبنون على اقوال الشذاذ كأنها هي الأصل، ثم يكيلون ما تيسر من عناصر الشحناء والبغضاء، ويقولون أنهم ليسوا مع كل تطرف، فيما أاقوالهم لا سبيل إلى وعيها إلاّ من منطلق التطرف، بل تكفير الآخر بلغة مواربة، مثال أنهم لا يقولون (ليموناضة)، بل يقولون سكر وماء وليمون حامض.!!

أخيراً.. بدل أن أفكك أفكاري زادت موضوعاً جديداً يحتاج إلى تفكُّر وتفكير، ليس في موضوعات الإنسان وسلوكه وفكره وتفكيره، إنما في الإنسان بذاته.

 

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *