الخميس 18 أبريل, 2024

رواية “الباقي” قراءة إيقاعية

مداخل افتراضية لقراءة “رواية .. الباقي” قراءة إيقاعية

محمد الدسوقي

dasoqt3
(1)

dasoqy1-1لا قيمة كبيرة في الحقيقة لنقد يفسر العمل الإبداعي ، لمجرد أن يقول للمتلقي أن هذه القصيدة أو هذه الرواية  تعّبر عن الهزيمة ، أو النصر ، عن الخيانة ، أو الأمانة ، كما أنه لا أهمية  لناقد يتبع نظرية أو مدرسة هام بها أصحابها واعتبروها محراب صلواتهم المكرورة الجامدة ، فالحقيقة التي لا مراء فيها – أن كل كاتب – بتقديري – أصبح له منظوره الخاص ، ومنطقه الفني ، ورؤيته الفلسفية للوجود خارج النص ، وداخله ، وبالتأكيد له بصمته التي لا تشبه  غيره ، بمنطق – أنا أكتبني – ولهذا تجيء قراءتي لرواية – الباقي – للكاتبة / آمنة الرميلي –  أيضا – وفق ما طرأ علي الرواية المعاصرة منتحولات –  ذلك أن الرواية كأي كائن حي يتأثر إيقاع حياته بكل ما يحيط به ، وقد وجدت أن الإيقاع في كل فن  ، هو الذي يمنح العمل الفني  كمال وجوده ، وكل  توقيعة من توقيعاته – تسبح في فلك يخصها وحدها ، وإن اشتركت وأخر معها  في الإيقاع العام  ، كما أن كل إيقاع  يختلف باختلاف صاحبه ، ولأن الرواية تشبه الكون ، والكون  مخلوق وفق قوانين ثابتة مجبول عليها ،  فالإنسان – الروائي – يحاول دائما أن يحاكي خالقه في صياغة كونه ، وتشكيله  وفق إيقاع خاص يعتمده صاحبه أو مؤلفه ، دون أن يخرج عن نواميس الكون العامة ، وكلما كان  –  خالق النص – ماهراً  ، كلما كان الإيقاع فينصه متوازنا – يترادف بشكل طبيعي ، ودقيق –  في حركة وجود تعاقبية   ، كتعاقب الليل والنهار ، والشمس والقمر ، ” وهكذا يمكننا تكرار قول  امبرتو إيكو في كتابه – آليات الكتابة السردية – بأن فعل الإيقاع  هو ضبط بنيّة النص ومعماره وإضفاء الحيوية وروح الحركة والنظام عليه” وهو ما يؤكده –فؤاد زكريا – في كتابه – مع الموسيقي ذكريات ودراسات- بأن الرواية الجيدة  هي “تلك التي  ينتظمها  إيقاعات جيدة ، إيقاع للزمان وأخر للمكان ، إيقاع للشخصيات  وأخر للأحداث ، بل إن الإيقاع هو الذي من خلاله نتعرف علي مصائر الشخوص ونهاية الأحداث”

(2)

dasoqy2ولمواجهة إيقاع هذا النوع من الخطاب الإبداعي ، يقتضي الإعلان عن منهج التعامل معه ، وهذا المنهج بالضرورة سيرصد بعض ملابسات التكوين وتناولنا له بالتحليل ، بالتأكيد سيكشف عن النظام الإيقاعي للنص الذي يجب أن يكون دقيقا ومحكما ،  ولا شك أن إحصاء بسيطا ربما يمثل أداة كشفية تساعدنا في الوقوف علي بعض هذه الظواهر الافتراضية التي تخيّلنا وجودها واقعا أو رمزاً ، ولهذا نجد أن خطاب الراوية  يجيء في ثلاثمائة صفحة من القطع المتوسط تقريبا – أقول تقريبا نظرا للفروق في الطباعة بين النسخة الورقية ، والنسخة الاليكترونية ، ويتشكل الخطاب في هذا الحجم من مجموعة  عناوين  هي (النقض ، الإبرام ، النهاية الأولي ، وقد شفني الوجد حتى ، أري ما لا يرون ، إنني أري مالايرون ، التكليف ، إلا أن للعشق في قلبي سبيلا ، الهوي ، قرّبا مربط النعامة مني ، النهاية الثانية  ) و أراها كلها ذات تراتب إيقاعي ، وتترادف معانيها ، و إيقاع حروفها ، بحيث نجدها علي درجة عالية من التتابع الإيقاعي والسياقية التعبيرية  ،وأنظر إلي أول عنوان – النقض ،   فنجد الراوية الداخلية في الرواية  والتي تكتب قصة (إبراهيم وسلمي) تقول  : ” الآن ينبغي أن يموت ، أو تموت حتى تنتهي القصة ولكنهما كانا ينتقضان عليّ “،  ، فيما نجد الراوية في الإبرام تقول :  –  جذبت يدي من يديك بعنف : – لا مسكين إلا إبراهيم وسط هذه الفوضي ! ” هذه الثنائية – في الأحداث والوقائع ترتبط إيقاعيا بالعنوانين ، كما لو كانا – السالب والموجب – ، فالنقض في معني من معانية – مجرد تمرد ، فيما نجد الإبرام أشبه بأمر قطعي الدلالة  ولا راد له … الكاتبة إذن وفي ظل اقتراب لغة الرواية من لغة الشعر الحديث ، وتأثرها بفنون أخري كالموسيقي ، والسينما والفن التشكيلي ، جعلت لها إيقاعها الخاص ،  باعتباره  البصمة السرّية الخاصة بها  ، كونه  التعبير الأمثل عن ذاتية الكاتبة التي تكشف طقوسّية الكتابة عندها ،  والتي تتكّون عندها من  مجموعة إيقاعات هي محاولتها الحقيقية  لإعادة تشكيل وتشييد عالم جديد علي غير مثال سابق عليه ،  حتي لو كان من نفس الرمال التي نثرتها الريح في الأفق الوسيع ويظن البعض أنها بلا حدود ولا أثر.

(3)

أريد أن أقول ثانية أن الإيقاع في  السرد يفيد في التعرف علي فكر الكاتب ، كونه يغّير وجوه الحكاية وطريقة سردها ، وقسمات الشخصيات وطريقة رسمها ، عبر سياق محمّل بتوالي الأحداث والأزمنة بمبدأ السببية أو من خلال التوتر الإيقاعي الذي نجده في التداخل والتقاطع ، والتقديم والتأخير ، فضلا عن تأثيره في اللغة ، لا من حيث كونها قواعد ونحوا وإجروميات ، بل من حيث كونها  أوتارا  متعانقة ،  لا تأسر الآذان بموسيقيتها فحسب ، بل تأخذنا إلي آفاق من التناغم الخلاق  ، أما  السرد في الإيقاع  ، فيتعدد في الضمائر وتنويعات   حضورها وطريقة آدائها ، وأيضا علاقات التشابه والتكرار والترادف والصمت والصوت ، إلي أخر هذه التعبيرات رتيبة التوقيع ، تقول الكاتبة:

1-  إنّني أكتب وإنّه يقرأ، وقد أظنّ أنّني أسأل وقد يظنّ أنّه يجيب أو أنّني أخفي وأنّه يكشف، سيان المهمّ عندي تلك الحركة ذات الرّأسين منّي إليه ومنه إليّ، من أوراقي إلى عينيه ومن عينيه إلى أوراقي. أراقبه يقرأ، وأراقب ورقتي بين أصابعه، أراها ترجف أو تذوي أو تزهر، أو تلوي بوجهها عن وجه إبراهيم أو تفجّر ضحكه وغضبه، تصبح الورقة روحا شفّافة بين أصابع إبراهيم،أمقتها لأنّها تشفّ عن نفسها أكثر ممّا ينبغي، ترفع مغاليق تلك السّراديب التي طالما حدّثني عنها إبراهيم وتفتح المنافذ لتدفق روائح القيعان البعيدة..

( انظر الي وثبات الإيقاع اللغوي – إنني أكتب / وإنه يقرأ ، وقد أظن أنني أسأل / وقد يظن أنه يجيب – وقد أصبح نسقا فنيا بين ال أنا وال هو ، وأصبح منوطا به تخليق الصورة الثنائية بإيقاعها دقة مقابل دقة – مني إليه ومنه إلّي – من أوراقي إلي عينيه ، ومن عينيه إلي أوراقي ، أراقبه يقرأ ، وأراقب ورقتي بين أصابعه – واقرأ أيضا في هذا المقطع نقرأ ..

 وقد جاءت عليّ أحايين من الدّهر كثيرة / كنت فيها وحدي كقارب منسيّ في شاطئ مهجور، أو كنخلة طلعت في قفر لا مسلك فيه، أو كطائر يشقّ السّماء منفردا في مساء ملفوف في البرد والرّياح، تتكثّف من حولي الخنادق فلا يمرّ إليّ أحد، يسقطون كلّهم قبل الوصول إليّ، تمتدّ أياديهم نحو يديّ الممدوتين فتمنعنا الخنادق،

فنجد إيقاع كاف التشبيه في الجمل المتتالية في المقطع السابق –  وحدي كقارب منسيّ في شاطئ مهجور، أو كنخلة طلعت في قفر لا مسلك فيه، أو كطائر يشقّ السّماء منفردا في مساء ملفوف في البرد والرّياح ،  تبدو وكأنها نواة للإيقاع ، أو كما يقول أهل اللغة – للمقارنة بين طرفين أو شيئين يشتركان في صفة  واحدة ويزيد أحدهما على الآخر في هذه الصفة، باستخدام أداة للتشبيه,-  الكاف .-  ومعروف أن حرف الكاف من الحروف المهموسة وإن كان من حروف الهمس القوية لما فيه من الشدة  الدالة علي تعدد حالات المعاناة وتكرارها .

 وفي شكل إيقاعي آخر نقرأ ..

استقبلني البحر، يعجّ بالرياح والأمواج، يرفرف بأجنحته  يهمّ بالطيران ولا يطير، وذهبت إليه، استـقبلته ملء حرجي وغضبي وخوفي، لماذا أخاف الناس إلى هذا الحدّ؟ ولماذا صدّقت بسرعة أنّني محلّ إدانة واستـفظاع ، ولماذا أصدّق نقصي بتلك السرعة المذهلة؟  

إن  هذه الجمل فيها تمهل واستقرار، ويغلب عليها  الإيقاع. والملاحظ أن الفواصل تراعي السياق الإيقاعي ،كما أن التناسق في النصّ ، يبلغ الدرجة العليا في إحداث جماليات التصوير . والإيقاع  أحد ملامح هذا التناسق وهو ناتج عن ملائمة اللفظ مع النسق الخاص الذي ورد فيه، كما أنه يتنوع بتنوع الفواصل، القصير منها والطويل، المتماثل منها والمتخلف . وأنظر إلي تحرر اللفظ من كل قيد يقيد المعنى، أو يحد من النظام الصوتي، مما أدّى إلى حرية التعبير وامتلاك آفاق رحبة من التآلف والتلازم والانسجام .وأقرأ كلمة – استفظاع – نلاحظ  أنها ترسم الضغوط النفسية الشديدة التي تتعرض لها الشخصية والتي قد بلغت منتهاها، وذلك من خلال تأليف الكلمة من أربعة  مقاطع (اس- تف- ظا-عن) وهي مقاطع تجعل إيقاع الكلمة يجيء متتابعا ، وفيه امتداد ، أو تمدد للحالة السلبية ، وهذا مقصود في إيقاع الكلمة حتى يتناسب مع المعنى المرسوم بالإضافة إلى أن تقسيم الكلمة إلي حركة وساكنة يعني أن الجرس اللفظي يرتبط أيضا “بالمعني ” إنه إيقاع لغوي متفرد، يقوم به الحرف الصوتي بدوره، والكلمة في نسقها بدورها، والجملة في سياق التركيب بدورها،  والموقف بدوره.. ورغم أن مقاطع الكلمة تبدو بين الحركة والساكنة متساوية ، إلا أن المقطع الأول – اس – يبدو صوتيا مختلفا – لأنه رخو – و الثاني – تف-  يجيء في حالة سكون ، أما الثالث – ظا – ففيه امتداد ينتهي بحرف العين وهو من الحروف المجهورة وكأنه نوع من الصراخ أو صياح الاستغاثة المكتوم في الصدر ، والذي سيتراكم في النون وهو حرف شبيه بالدواة التي تمتليء بالمداد ، وهو هو المقابل لوجود البحر ، أو الرمز الدال عليه .

(4)

ربما كان فهم البعض لمعني الإيقاع كونه توقيعات موسيقية  في اللغة وحسب ، هو الأكثر جهلا بماهية الإيقاع ، لأنه شاهد الإبداع الأول والمقياس الدقيق لكل بناء فني أصيل ، ولو شئنا أن نبيّن شيئا من هذا ، علينا أن نقرأ  قوله تعالي  : “وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا ﴿١﴾ وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا ﴿٢﴾ وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا ﴿٣﴾ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا ﴿٤﴾ وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا ﴿٥﴾ وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا ﴿٦﴾ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا ﴿٧﴾ فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ﴿٨﴾ قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا ﴿٩﴾ وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا ﴿١٠﴾ كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا ﴿١١﴾ إِذِ انبَعَثَ أَشْقَاهَا ﴿١٢﴾ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّـهِ نَاقَةَ اللَّـهِ وَسُقْيَاهَا ﴿١٣﴾ فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُم بِذَنبِهِمْ فَسَوَّاهَا ﴿١٤﴾ وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا ﴿١٥ )

  حيث يجد فيها القاريء أن الإيقاع المنتظم ليس فقط في اللغة ، ولكن في كل شيء ، فإيقاع الرؤية في الشمس والقمر ، وإيقاع الزمن في النهار والليل ، وإيقاع المكان في السماء والأرض ، وإيقاع الدلالة في الفجور والتقوي ، أما الذبح والدمدمة ، فإيقاعهما – مادي محسوس – وأنظر إلي المقابلة في الثنائيات الإيقاعية البديعة ، وأقرأ بلاغة .. فعقروها ، عندما تأتي بعدها كلمة فدمدم – وكأنها دم .. دم ، لتدرك أي دقة وإحكام بديع يحتويه النص إيقاعيا في كل شيء.

ولنتابع معا بلاغة الإيقاع في هذا الحوار الذي يتألف من عدد من الجمل الإيقاعية السريعة والضاغطة ، ومن البداية ستنتابنا حالة توجس بمجرد الدخول فيه

– كيف حالك؟

ترفع يديها:

– كما ترى.

– تبدين بألف خير

– أريد أن أنهي الأمر

أتساءل:

– أيّ أمر؟

تضطرب رموشها بعصبيّة:

– علاقتـنا

أنادي النّادل بفرقعة من إصبعيّ:

– أيّة علاقة؟ 

تأكل الصفرة وجهها:

–  ليذهب كلّ منّا في حاله

وهنا يتخذ الحوار لغة واجفة مسرعة ، تركض ركضاً ، وتستحيل في ارتفاع درجتها ، وحدّة جيشانها إلى جمل و تركيبات شبه متساوية كأنها موقعة توقيعا وزنّيا بمنطق – الفعل ورد الفعل ، وأنظر إلي إيقاع الكلمات المتوافق مع إيقاع وقعها – علي المتحاورّين – فهو ينادي النادل بفرقعة من أصابعه ، وهو يقول لها في تجاهل وعدم تصديق – أية علاقة ، وهنا تأكل الصفرة وجهها وهي تقول ليذهب كل منا في حاله ، فيضحك وهكذا نجد لإيقاع الكلمات  التأثير المباشر علي قائلها ومتلقيها في آن معا ، ولهذا لا تجد صعوبة في الدخول في الحالة أو معايشتها ، ولعل القاريء سيري ويسمع ويحس ويتفاعل ، من خلال تعدد إيقاعات – الصوت ، والنظر ، والمكان،  والزمان ، والشعور والحس ، والدال والمدلول ، وهكذا تدهشنا الكاتبة بلغتها الرائعة

(5) 

تمضي الكاتبة في طريقتها معتدة برهافة الإيقاع اللغوي بما فيه من إمكانات وهي في سبيل ذلك ، لا تكتفي بانتقاء نماذج بشرية فريدة فحسب، وإنما قدرتها علي أن تصبح اللغة قادرة علي تركيب الشخصيات تركيبا إيقاعيا شكلا ومضمونا ،فإيقاع الكلمة يرسم المعنى المراد بكل تفصيلاته هيئة، وحركةً، وصوتا، وهذا منتهى  التعبير الإيقاعي المعجز والرواية المتميزة تلك التي تكون عملا فنيا متكاملا ،تنبني فيها الرواية وفق إيقاعات متسقة ،  بحيث تكون الأفكار منسجمة مع معتنقيها ، ولكل منها إيقاعه الخاص ، وأن يكون المشترك الإيقاعي هو الرابط الأصيل في اكتمال العمل الفني ، وانتظامه ، بحيث يتلاءم شكل الشخصية مع تصرفاتها ، وما تعبر عنه الشخصية يكون له علاقة حميمة بطبيعة تكوينها ، وبيئتها الحاضنة لها ، بحيث نجد أن المفردة جزء أصيل في نسيجها ، وأن الحركة سلبا وإيجابا جزء أصيل من كمالها ، وانظر إلي شخصية إبراهيم ، وهي بالتأكيد شخصية مكونة من مجموعة إيقاعات ، نراها في مشاهد من حياته منذ كان طالبا في الجامعة ، حين كان يمثل شخصية الثائر ، ثم إيقاعه الانهزامي  حين قرر أن يبيع نفسه للسلطة مقابل الخروج من السجن عندما كان يعذب ولا يحتمل التعذيب ،  ثم التصدع الذي أصاب حياته مع سلمي إثر موت ابنتهما – أمل – ثم تخبطه حين أقام علاقة غير معقولة مع أحلام قرينة ابنته وقريبة سلمي كرد فعل منطقي لحالة الإيغال في إيقاع عامر بالتردي الإنساني ، ولهذا نجد ثمة حالة اضطراب لا تغني من شوائب الدنس ومواطن الخيانة ، هذه الإيقاعات لا أراها متنافرة أو مختلفة ، بل تبدو شبه منتظمة ، وتأتي بالتتابع ، أشبه بالجريدة التي يملكها والمسماة ( حدث ويحدث  )  كديمومة إيقاعية حدثية متكررة من الماضي وإلي الحاضر  ، أما إيقاع شخصية سلمي ، فقد بدأ ، بانفعال حاد ،في بداية الرواية ، عندما  رمت قبرها الرمزي ووقفت في مواجهة صديقتها – الراوية الداخلية – في الرواية تطالبها  أن تكتب عن الأحياء وليس الموتي ،  بإيقاع  انفعالي حاد تكرر فيه الفعل – اكتبي – خمس مرات – ” وفجأة رمت “سلمى” قبرها وجاءتـني، وقـفتْ قبالتي، قذفتْ بالأوراق في وجهي، صاحت: ألم تكتبي عن الموتى من قبل؟.. فاكتبي عن الأحياء، ضربت على صدرها: اكتبي عن تجاويف القلب، عن حركة خلايا الشرايين، عن تلك العوالم الموغلة في البعد، النازلة إلى أعماق لا قاع لها. ما أسهل أن تكتبي عن الموتى! ما أفظع أن تكتبي عن الموتى! دعيهم لضعفهم وحيادهم وبرودهم، واجعلي قصّة الحياة ملء يديك وأوراقك وقلمك ” هذه الثائرة تتكون حياتها من عدة إيقاعات / إخفاقات متتالية ، نهايتها موت ابنتها – أمل –  التي لم يكن موتها ، سوي محاولة لفقدان إيقاع الحياة الطبيعية ، أو الحقيقية التي كانت تنشدها ،

(6)

ولعل نوعية شخصية إبراهيم الثائر اليساري ضد السلطة ، وانتقالاتها عبر أحداث ووقائع وشخصيات تبين عن إيقاع خاص جدا يتسم بتركيبة نفسية متأرجحة ، لم تحقق ما كانت تنشده ، من شعارات و أعتقد أن الشخصية  المرادفة إيقاعيا لشخصية إبراهيم في الرواية هي شخصية والد سلمي ذلك المناضل المدافع عن الفقراء، والذي زج به في غياهب السجون، ولكنه علي العكس من إبراهيم – لم يضعف  –  وقد يكون هذا التماسك من أبيها ، في مقابل انهيار إبراهيم هو السبب الرئيسي في فشل حياتهما معا  ، فيما نجد لإيقاع سلمي العابد مستوي مختلف مع الشخصيتين ، فهي تفهم علي أبيها من إشارته وتذهب لتحرق الأوراق والوثائق التي قد تدينه ، فيما نجد إيقاعها مع إبراهيم المتنازل عن مبادئه ، أشبه بإيقاع رخو ساخر أحيانا ، تصادميا في أحيان أخري نظرا لخيبة الأمل التي تعايشها معه ، فإبراهيم الفارس القديم الذي ترجل عن فروسيته ، لم يعد الفارس الذي يحمل خلفه أحلام وأمال الضعفاء أو المقهورين ، فأمل –  الرمز – ماتت ، وأحلام – الرمز – التي كانت إيقاعيا البديل الطبيعي لأمل ، تبخرت مع أول نوبة صحيان ، هذا الاستنساخ الإيقاعي هو ما فلسفة إيقاع شخصيات الرواية ، وهذه الإيقاعات المترادفة سيجدها القاريء في لغة الشخصيات ، وأيضا في إيقاع مشاعرها  وأحاسيسها ولا شك أن في كل هذا نوعاً من الإيقاع ؟ وهذا الإيقاع لا يكون تاماً ولا كاملاً إلا إذا التقي فيه عالَم النص بعالَم المتلقي وهو أمر ضروري لحياة النص ، فللنص حياة تعج بالإيقاع ، ولكنه لا يتوازن أو يتناغم إلا إذا التقت طاقة المبدع التي هي داخل النص ، بطاقة المتلقي التي هي خارج النص –  ذلك أن الكاتب والقاريء يعيشان في عالم واحد  ، والإيقاع هو المعبر عن وجودهما فيه  ، لأنه في حقيقة الأمر هو صوت النفس البشرية ، صوت حالاتها المتباينة ، صوت فرحها وحزنها ، أملها ويأسها ، غضبها وسعادتها.

( 7 )

إن الترادف الإيقاعي بين الشخصيات لا يعني أن هناك شخصية يمكن أن تكون بديلة عن الأخرى بأي حال من الأحوال ، ولكن قد  تكون الشخصية  صدي لأخرى ،  ربما لتفجير دلالة ما ، أو إضاءة جانب معتم ، أو معرفة ماض سحيق له أثره في الشخصية الحاضرة ، وهذا الأثر بالضرورة له إيقاعه الخاص الذي لا يمكن نقله للقاريء لا من خلال اللغة وحدها فحسب ،  بل من خلال – فعل مادي ، أو صورة محسوسة –  وأقرأ معي هذه الصورة الإيقاعية بين إبراهيم وسلمي

   – توحشت خطك

فذابت الصفرة التني تأكل وجهها وجبينها وابتسمت ،

 فاندفعت والأفق خارج النافذة يتفتح كوردة

– كنت أعرف أنك ستشفين

زحفت الصفرة إلي وجهها مجددا وصرخت

– لست مريضة  !

فاختطفت يدها وألصقتها بصدري :

– أنا المريض ، أنا الذي يقتلني الخوف من أن تضيعي مني

نقرت بأصابعها علي قلبي ، نظرت إلي النقوش السابحة علي الستائر ، تنهدت :

– ألم أضع بعد ؟

فاختطفتها إلي حضني وأطبقت عليها بذراعيّ ، لم تذب ، لم تذو ، بقيت متماسكة ، صلبة ، محايدة ، وأنفاسي تخترق مفرق شعرها

إن تجلي الظواهر الإيقاعية الثنائية في هذا المقطع حركة وصورة ، صوتا ودلالة ، يجيء رجعها وصداها بما يشبه الذبذبات التي تنتقل من جسد  إلي جسد مماثل ، من إبراهيم لسلمي ، أو العكس ، وبالتأكيد سنجد اللغة كما لو كانت جزءا من الشخصية ، يجيء ترادفها وإيقاعها الصادر عنهما  عبر تصرفاتهما  مرتبطا  ارتباطا عضويا بطريقة التعبير ، بحيث نجد الشخصية أو الواقعة جزء أصيل مما يعنيه إيقاع اللغة ذاتها ،  في شكل ترادفي متتابع ، قد يتفق في المبني ، ولكنه يختلف في المعني ، أو العكس ، وهناك حالة ترادف حادة في إيقاعها بين شخصية أمل – ابنتهما –   وبين – أحلام – ابنة أخت سلمي  ، والتي جاءت بها سلمي للعيش معها بديلا عن أمل التي فارقت الحياة ، وهنا نجد لإيقاع الجسد عند إبراهيم ، بعض الغرابة في نشوب علاقة بينه وبين أحلام  ، فهو من ناحية يدرك أنها بمثابة ابنته ، ولكنها ليست ابنته ، وأحلام تعرف هذا ، ولكن المشاعر الجارفة التي كان مؤملا أن تكون تجاه أمل ، تجيء عكسية ، بين إبراهيم وأحلام ، والتي أظهرت إيقاع رؤية إبراهيم للعالم ، فالمادية البحتة ، في حالته مع أحلام ، هي هي   التعبيرالموازي المعنوي  تجاه أمل ، أو لنقل أنه رد فعل  طبيعي ، فبدلا من مشاعر الأبوة ، نجد مشاعر شهوانية كمرادف مادي  حي ، ولو نظرنا إلي إيقاع اسم أمل وأحلام ، سنجد نفس الترادف الإيقاعي ، فأمل – ماتت –  تقابلها بما للاسم من دلالة عدم الوجود – أحلام –  وكأنها مجرد أحلام وتهيوءات لإبراهيم المفتقد لأمل ، فإذا كان الترادف بين هذه الشخصيات هو ما اتفق في الشكل واختلف في المضمون ، أو العكس ، لهذا سنجده متكررا في  شخصيتي سلمي العابد ، وسلمي الكحلة ، فهما متشابهان تشابها إيقاعيا تقريبا في كل شيء .

( 8 ) 

 هذا الترادف الايقاعي بين الشخصيات يبين عن حالة إيقاعية خاصة تتعلق بالزمن  ، ولفهم  الزمن الراهن ، ينبغي العودةإلي الزمن الماضي لمعاينة مكونات الأحداث وأسباب حدوثها ، فالقارىء مثلا  لا يمكنه فهم شخصية سلمي جيدا دون معرفة ماضيها ، وهذا الماضي ليس سوي سلمي الكحلة ،  فهما متشابهتان تشابها إيقاعيا تقريبا في كل شيء ،  وإذا كانت كلمة ـردف تجيء بمعني خلف ،   فسلمي العابد هي المرادف الطبيعي لسلمي الكحلة  .. اسما ورسما ووقائع حياة ، وكأنها التطور الطبيعي لها ، حتي اسميهما – سلمي-  يشير إلي حالة الاستسلام والضياع التي اعتورت حياتهما ،  وقد يصح بأن نقول  أن إبراهيم ليس سوي الإيقاع الزمني لحالة والد سلمي العابد وخالها ،  فإبراهيم الذي كانت حياته منقسمة إلي مناضل أولا ، وخاضع للسلطة ثانيا ، تبدو حياته هي المقابل من حياة الأب المناضل ، والخال التابع للنظام ، فهما معا يشكلان الامتداد  الزمني الذي جاءت عليه حياة إبراهيم ، و نفس الحال مع شخصية نادية – الراوية الضمنية والتي تجيء ردفا لإبراهيم في كل شيء، ، ولو تمعّنا في معني اسم إبراهيم سنجده  بمعني المتأمل – أو الأب رفيع المقام –  كما هو الحال مع اسم – نادية – التي يتنادي عندها كل شيء – أي يجتمع عندها كل شيء – في الدلالة والمعني – كل هذا يبين عن ترادف إيقاعي أخر  – يتفق في شكله ويختلف في مضمونه ،  أو العكس .. هناك إذن مفهوم للزمن في روايتنا ، وأراه زمنا دائريا ، حيث يبدأ تاريخ العلاقة بين إبراهيم وسلمي من نقطة معينة قالتها الراوية وهي تكتب قصتهما  ( حين قـرّرت أن أكتب عنهما، كانا بعدُ متباعدين، يأخذ كلّ منهما في طريق، وتراءيا لي في أفـق خيالي ساهميْن، ينظر كلّ منهما في اتّجاه، لا يجمع بينهما غـير الصّمت واللاّمبالاة. هل يمكن أن تـنتهي قصّتهما إلى كلّ ذلك الصّمت وتلك اللاّمبالاة كلّها؟ أين راح ما بينهما؟ كيف انفكّت مثـل تلك السّلاسل التي شدّتهما بعضا إلى بعض على امتداد أكثر من عـقد ونصف؟. ) حيث يقف عندها الزمن ، ثم يبدأ في الدوران إلي الأمام وإلي الخلف ، صعودا وهبوطا ، ويعاود لعبته مرة أخري فيما يشبه حركة الدائرة  التى يتحرك محيطها ما بين قطبى الصعود والهبوط إلى ما لا نهاية فى حركة مقدورة، هى ببساطة الثنائية التى ينطوى عليها الكون كله فى حركته بين نقائضه التى تخضع لها دورات الطبيعة والكائنات فى ثنائياتها المتجاورة والمتضادة: حياة وموت، ، صعود وهبوط، ارتفاع وانخفاض، علو وانحدار، حب وكره ، وجود وعدم.  الخ. الإيقاع إذن بنية زمنية مهمة ، نراه في تعاقب الأحداث وتبّدل المواقف ،   فهو  الذي تنتثر فيه كل مكونات الرواية بإيقاعاتها المختلفة ، فنجد ما يثيره في النفس ، اثر نزاعات شتي ، ولننظر إلي انتظار إبراهيم لقرار سلمى وهما فيجلسة المقهى وما يثيره هذا الانتظار من رهبة وتوجس ، فالأنفاس تتقطع ارتجافا ، واللحظات الخاطفة قاتلة ، وغير متوقع منها هذا الانقلاب الذي لم يتوقعه إبراهيم من سلمى . 

 – كيف حالك؟ 

ترفع يديها:

–  كما ترى.

– تبدين بألف خير.

– أريد أن أنهي الأمر.

أتساءل:

– أيّ أمر؟ 

تضطرب رموشها بعصبيّة:

– علاقتـنا.

أنادي النّادل بفرقعة من إصبعيّ:

– أيّة علاقة؟ 

تأكل الصفرة وجهها:

–  ليذهب كلّ منّا في حاله.

أضحك:

–  أما ذهبنا؟ 

–  لم يقل القانون كلمته.

–  آه !

أكلّم النادل:

– قهوة عربي، وأنت؟ 

– لا شيء.

ألتـفت إليها كلّيا:

– القانون؟ 

تواجهني بعنف:

– نعم القانون.

لا يهزّني الأمر بتاتا، ولكنّي رغم ذلك أرفع سبّابتي مهدّدا:

– تذكّري أنّه أنت من طلب ذلك.

تبتسم:

– أيّها المنافق، أنت أيضا تحبّ ذلك.

تبدو لي شهيّة، أخطف يدها اليسرى في غفلة منها، أقبّلها:

– لك ما تريدين.

تـنتـفض واقـفة:

–  لنسرع بإنهاء الأمر، سأتـزوّج.

أبادرها مفجوءا أو مفزوعا أو مستغربا:

– كاذبة.

فتصرخ:   فسّر الأمر كما يحلو لك، ولكنّني سأتـزوّج 

هذا  الحوار الزمني  السابق بين سلمي وإبراهيم  ، فيه إيقاع شديد بارز هو النغمة الرئيسة ، ويبدو في كلماته حدة ، وفي نبراته  شدة تتمثل في ( الخوف ، والتوجس ، والتوقع ، والانتظار ، ) . وهكذا يتم الانتقال من إيقاع  إلى إيقاع  ، أو من جملة إلى جملة ، أو من حركة إلي أخري ، ضمن الإيقاع العام ، ويجمعها جميعاً صور من  التعانق أو التآلف التي تسري فيها حركة واحدة رغم تموجها ، هي حركة الإيقاع وحركة الصورة ، وحركة الكون الخارجي ، وحركة النفس الداخلية . وكلها حركات تقوم على الرجف والوجف والاضطراب ، وتكون النتيجة أن الزمن   في ذاته قد هيأهما لإدراك كل  تغّير ، وما سيتركه هذا التبدّل فيهما من آثار  !! 

( 9 )

علي الرغم من غلبة صفة السكون والاستاتيكية على المكان  للنظرة الأولي ؛ إلا أن الفن عمومًا والسردي منه بخاصة منح المكان فعالية واضحة ، فالوكالة التي تسكنها سلمي الكحلة وسلمي العابد ، تقول الراوية الداخلية – نادية – عن المكان الذي ذهبت إليه للقاء سلمي ( هذه الوكالة، أفقر أنواع السكن وأشدّها بؤسا في العاصمة بل وفي البلاد كلّها، تسكن هذا الصنف من الدّور وتتقاسم غرف البيت مع ما هبّ ودبّ من العائلات الفقيرة، وتشارك جيرانها المطبخ ودورة المياه، يا لسلمى!) هذه العناصر المكانية تشكل بعدا إيقاعيا خاصا ،ففي الوكالة  التي تعيش فيها سلمي الكحلة ، وبما يشير إليه اسمها في الذاكرة الشعبية من عشوائية الحركة والزحام والصخب لها باب ضخم مقوّس في أعلاه، يختـفي ارتـفاعه وراء جدار يشعّ بالبياض كأنّه بوّابة تكيّة أو مدخل مسجد مهجور)

، وهو ما يبين عن إيقاع ما ، لا من حركة الشخصيات  فحسب ، ولكن من خلال تكوينات المكان  الإيقاعية التي لها معانيها ودلالالتها ، بمعني .. أن هناك ثمة علاقة تأثير وتأثر بين المكان والشخصيات  ، بحيث نجد إيقاع المكان يؤثر في الشخصية ويكشف معدنها ، كذلك الشخصية تتواءم مع إيقاع المكان ، فالمكان – يشكل جزءا من بناء الشخصية ، هذا التبادل الإيقاعي بين المكان ومن يعيش فيه ، يجعلنا نقول أن المكان أصبح المرآة العاكسة لإيقاع الشخصيات وطبائعها ، بل نراه معادلا إيقاعيا لحركة الشخصية وطريقة حياتها ، ولهذا نجد سلمي الكحلة – امرأة سوداء، ناصعة السّواد، أوّل ما يستوقفنا – كما استوقف الراوية ، فقد وجدتها طويلة طولا باهرا أخّاذا، ولأنّها كانت على وشك الخروج – فقد كانت تامّة الزّينة ، فمها مرسوم بالأحمر القاني وعيناها مملوءتان بالكحل، وهي مشحوطة في دجين سماويّ ومريول صوف أبيض عالي الرّقبة، تألّقت بسمتها ما بين حمرة شفتيها وسواد بشرتها – صورة سلمي الكحلة التي تعيش في الوكالة – لا تختلف تقريبا عن صورة المكان الذي تعيش فيه – فحجرتها – في هذه الوكالة –  عبارة عن غرفة واسعة مستطيلة الشّكل، ينتصب في وسطها سرير فخم تتدلّى على جانبيه السّتائر المرهفة كأنّه من أسرّة الأميرات، وفوقه ترتمي وسائد مزركشة تزيد من أبّهته، ولهذا كانت الراوية مأخوذة إلى جمال السّرير في تلك الغرفة ) وهكذا نجد ثمة تشابه بين سلمي الكحلة وبين غرفتها ، وللقاريء أن يدرك حركة كل شخصية من النسوة الثلاث في المكان ، بحيث سيري سلمي الكحلة تتحرك بشكل طبيعي لإحساسها بالامتلاك ، وأيضا بصورة أقل مع سلمي العابد ، فيما نجد نادية الطارئة علي المكان تشعر بالغربة مبدئيا ، إذ أن زاوية النظر التي تنظر منها  تبين عن محاولة اكتشاف للمكان ، أو تفّقد لطوبوغرافيته ، كما أن الراوية تريد أن تري قرينتها في حب إبراهيم – سلمي العابد – والتي فضلها إبراهيم عليها ، كيف أصبحت ، وأين تقيم ؟! أو محاولة للربط بين ما تعرفه عنها ومالا تعرفه – ، وهل ستجد  صاحبتها في ثوب مختلف ولغة مختلفة ، وحتي المواقف الغريبة التي تتوقعها منها ،ولحظات ضعفها إثر حالة التوتر التي قد تتفجر فيها المشاعر بينهما  ، كل هذا انتهي بعد محاولة الراوية التآلف مع المكان بطريقة أو بأخري بعد استمرار بقائها فيه لمدة ربما أتاح لها هذا القدرة علي التفاعل مع مكوناته الإيقاعية والتي تتمظهر في كل شيء من حي وجماد !

(10)

 هذه بعض الظواهر الإيقاعية في رواية أري أنها غنية وثرية إلي أبعد حد ، وتحتاج إلي دراسات أخري تضيف إليها ما تستحقه من قيم إبداعية عالية ، وحسبي أنني حاولت تقديم بعض المداخل والتي افترضت فيها طريقة قراءة للرواية ربما تروق لي ولا تروق لغيري  ، ولكنها محاولة لا تخلو من النيّة الحسنة – تحية تقدير للكاتبة وللقاريء الكريم .

 

مقالات ذات صله

1 تعليقات

  1. علي ابو زريق

    منذ الأسطر الأولى خطر ببالي دارسي القرآن في ستينات القرن الماضي الذين كانوا يكثرون البحث والحديث عن عبقرية الصوت في القرآن. ولم يخيب الناقد ظني فاستحضر مقطعا آخاذا من القرآن ليفهمنا قصده بالتراتب ويُشهدنا جمال الإيقاع الصوتي. وأشهد له أنني أعجبت بمقدمة المقال ونظريته في شخصانية النقد وهي أمانة فكرية منه.أعجبت بها بقدر ما أعجبني حديثه عن جمال إيقاع القرآن وكذلك جمال إيقاع الرواية. ولكنه فكر عني كقارئ وكنت آمل منه، وهو مثقف حقيقي كما وضح منذ جمله الأولى أن يدفعني للتفكير وأن أُكَوِّن بنفسي الراي الذي يريدني أن اكونه. والأمر الآخر الذي تمنيه لو اختصر الحبكة ببضعة سطور لأستلم الرواية بوضوح.

    الرد

الرد على علي ابو زريق اغلق الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *