الأربعاء 24 أبريل, 2024

مرايا الـ “أنا” والـ “هو” / الأنوثة والذكورة

مرايا الـ “أنا” والـ “هو” / الأنوثة والذكورة

 في رواية مرايا الرحيل

بقلم الدكتورة دريّة فرحات

dorrya-1علاقة المرأة بالأدب علاقة حميمة وعريقة، فهي تؤدّي دوراً مؤثّراً فيه بوصفها قارئة أوملهمة أوناقدة للنّصّ، وقد تكون في داخل النّصّ، أو قد تكون المرأة منتجة هذا النّصّ كاتبة له. وتجاذبت المرأة المبدعة نظريات وآراء متباينة، ما بين وصفه بالأدب الملتزم، وأدب خارج عن الإجماع، أو قد يُتهم أنّه أدب خارج عن القيم الاجتماعيّة. وقد يتهمها بعضهم بأنّها لن تصل قمة الإبداع، بل يرون أنّ عدد النّساء العاملات في حقل الأدب قليل جداً بالمقارنة بعدد الرّجال، فالمرأة دخلت مجال العلم والتّعلّم متأخرة عن الرّجل، وانسجاماً مع موقع المرأة في المجتمع الشّرقي المتأخر نسبيّاً عن موقع الرّجل فإنّ إبداعها لم ينل حظّه من الاهتمام، فكان ومازال أقلّ شأناً في تاريخ الأدب العربي، ولكن مع مرحلة بعث النهضة أدرك المتنورون أهمية دور المرأة في نهوض المجتمع، وهو ما استدعى تعليمها وأفسح  لها، من ثمّ، إمكان المشاركة في النّشاطات الاجتماعية والثّقافية والإنتاج الأدبي فالنّهضة النّسائية لم تبزغ  إلاّ في أواخر القرن التّاسع عشر، في ذلك الحين أدركت المرأة المتعلّمة كما أدرك الرجل أنّ لها حقوقاً ضائعة وأنّه من الواجب أن نفتح لها أبواب التقدّم. وقد سعت المرأة إلى رفع شأنها، وإلى التّحرير من القيود المفروضة عليها.

هذه الخصوصية التي عرفتها المرأة تدفعها إلى التّمرّد والدعوة إلى التّغيير، والسّعي إلى إصلاح وضعها الاجتماعيّ والثّقافيّ والإبداعيّ. ولم يكن هذا التغيير سهلًا خصوصًا أنّنا كما يقول جورج طرابيشي نعيش في “مجتمع أبوي شرقي، متخلّف ومتأخّر، مشحون حتى النّخاع بأيدولوجيا طهرانيّة، متزمّتة وحنبليّة، يغدو مفهوم الرّجولة والأنوثة مفهومًا موجّهًا لل للعلاقات بين الرّجل والمرأة، بل أيضًا للعلاقات بين الإنسان والعالم”(شرق وغرب رجولة وأنوثة ص5)، ومن هنا جاء الصّراع بين المرأة والرّجل بين تحقيق الذّات وفرض الذّكوريّة، بين اضطرابات المرأة ولامبالاة الرجل وإهماله. قضية أثارت الكاتبة والفنانة التشكيليّة فاطمة اسماعيل، فكان يراعها سيّالًا مبدعًا يخط على الورق ما جاء في القلب والعقل بعفوية وسلاسة فكانت مرايا الرّحيل.

وبما أنّ المرأة تسعى إلى التّغيير فإنّنا نرى المرأة حاضرةً في رواية مرايا الرحيل تأليفًا لكاتبتها فاطمة اسماعيل، وتاليا بحضورها المكثّف والعميق في طياتها، فبطلة الرواية شابين امرأة موهوبة تهوى فنّ الرّسم وتحلم بأن تكون مميّزة في هذا العالم، لكنّها في سبيل تحقيق هذا الحلم الكبير، تخوض الحياة بكل ما فيها من ألم وشقاء ومآسٍ.

تنفتح الرّواية ببوح وجداني ذاتيّ من البطلة تنقل فيه معاناتها ” أضعت الطريق ولم أعد أعرف ما الذي أريده، ما هي الأشياء التي أتمناها حقا، ما الذي أرغب بتحقيقه،  الكائنات التي تقف أمامي كأنّها تصدّني عن مواجهة نفسي.. هل عليّ رؤية انعكاسي الخاص؟ أم أنّه سيتحوّل  إلى صراع حقيقي بيني وبين روحي بين الأشياء التي أريد، والأشياء التي أملك”، لتنطلق بعدها إلى عرض كل ما انعكس في حياتها فهي تبحث عن الأمان وتبحث عن نفسها فـ “الكائنة التي تسكن داخلي لم تعد تعرفني”، لنكتشف عبر الرجعات (flash back)، ما حدث مع سابين إلى أن وصلت إلى ما وصلت إليه. ونتلّمس في وعيها هذا الصراع الكائن بين الذّكورة كمفهوم وتصرّف  والأنوثة كمتلقٍ ومواجهة،  “علاقة الذكور بالإناث كانت ملتبسة لديّ، لهذا كنت أبقى بعيدة عن أي التباس، وكنت دائمًا أقمع دماغي حتى لا يفكّر كثيرًا، ويحلّل كثيرًا”. وإنّ نراها في موقع آخر تجلس مع نفسها وتفكّر”ما سبب كلّ هذه العدائيّة منّي اتّجاه الذكور؟ لماذا أحاول دائمًا أن أحمي نفسي منهم قبل أن يحاولوا حتّى التّفكير في أذيّتي”.

واللافت أن هذه الرجعات لم تكن تسير وفق زمن متسلسل، فالزّمن في السرد ينقسم إلى زمن القصة : يعني في بعض ما يعنيه، الأحداث حسب وقوعها وفق تسلسلها الزمنيّ، فالحدث الأقدم هو الذي وقع أوّلًا، هو الذي يؤدّي إلى نتائج تنجم عنه. إنّ زمن القصة محكوم بالمنطق، أي بالأسباب والنتائج، وهو مقيد بالترتيب المتتالي، فلا تأخير لحدث لاحق ولا تقديم لحدث سابق، إنّ الأحداث في زمن القصة مرهونة بأوقاتها.

أمّا زمن السرد: فقابل للإخلال به، إنّه لا يخضع أصلًا لمبدأ التّعاقب والتّسلسل المنطقيّ، والأحداث فيه يُمكن أن تذكر غير متتابعة حسب وقوعهان فقد يتكلّم المؤلّف على حدث قديم ثمّ ينتقل بعد ذلك إلى حدث قريب، إنّ زمن القصة مقيّد بينما زمن السرد حرّ.

        وقد اتّبعت الكاتبة فاطمة اسماعيل زمن السّرد الذي لا يخضع لمبدأ التعاقب، وتوالت الأحداث وإن كانت متفرّقة لكنّها مرتبطة بتيار الوعي للبطلة سابين، وقد نراها تكمل ملامح شخصيتها من خلال هذا التوالي في الرجعات، وإذا نظّمنا هذه الرّجعات وفق التسلسل التعاقبي لعمر الإنسان، فسنعود مع سابين إلى طفولتها وحكايتها مع نظارتها التي انكسرت، ورغبتها في تغيير شكل النظارة، لكنّ ما أرادته لم يتحقّق، فتخضع لإرادة والدها في اختيارها، وقد ساهم هذا الموقف في تكوين نفسية البطلة الساعية دائما الى الاكتشاف فتقول ” سكتّ وبدأت منذ ذلك الحين أحبّ نظارتي. كبرت وكبرت معي تساؤلاتي، وتعلّمت أن أستوعب كلّ من حولي وكلّ الظّروف. وأن أستمتع بكلّ اللحظات”، وتعود أيضا إلى طريقة اختيارها لملابسها، فتثير الاختلاف بين ما تريد وما يريد والدها فترى أنّ أمّها هي المساعد الحقيقي لها، فهي تفهم عليها وتساعدها في تنفيذ مرادها في مواجهة أبيها، فهي أقرب الى الأم، “أمي كانت صديقتي في كلّ مراحل نشأتي، كانت مستمعة جيدة” وكانت مشاركةُ أمّها فن الطبخ من اللحظات الجميلة التي تستطيع فيها أن تبوح لأمّها بما تفكّر به، لهذا تعلّمت الطبخ بمهارة، ولم يتوقف هذا الود والتقارب بين البنت وأمّها في مرحلة الطفولة، إنّما امتدّ إلى مرحلة البلوغ، خصوصًا في الوقت الحرج الذي تحتاج فيه الفتاة إلى اكتشاف التغييرات الحاصلة في جسدها، فكانت الأمّ هي المعين والمنقذ، وكانت مستمعة جيدة لحكايات الفتاة المراهقة، عندما أخبرتها عن دعوة ابن الجيران لها لزيارته في منزله على انفراد.

        وفي رجعات أخرى تعود بنا سابين إلى المدرسة والمواقف التي مرّت بها ومنها حبّها للكلمة ومهارتها في الكتابة، فلم تنزعج من تأنيب أستاذها لها للخطأ اللغوي الذي ارتكبته في موضوع الإنشاء، ويتبين لنا انّها تختلف دائما عن زميلاتها اللواتي كنّ يهتمين بأنفسهن وبتبرجهن، ولم تكتشف السبب إلّا لاحقًا. ومن خلال هذه العودات تنقل سابين حكايات الفتيات المختلفة التي عرفتهن في مراهقتها وفي حياتها الجامعيّة. إنّ هذه المواقف هي التي كوّنت شخصية سابين فصنعت منها فتاة ترفض ان تسير وفق ما يراه الآخرون، فهي لا تقنع بما ترسمه لها تقاليد المجتمع وأحكامه. ولعلّ هذا ما يجعلها لا تهنأ بالعيش في السعودية ولا تتقبل القيود المفروض عليها فلم تتأقلم مع العباءة ومع اللباس المفروض هناك.

        وتتوزّع في ثنايا الرّواية عودات ترسم لنا علاقة سابين بالآخر، أي الرّجل الذي أحبّته وقرّرت الارتباط به حتى لو رفض أهلها، فاستعدّت نفسيًّا لذلك، خصوصًا أنّ وظيفة حبيبها مروان الدبلوماسيّة تحتّم عليه العيش خارج لبنان. هذه العلاقة التي بنيت على التضاد في الطّباع، حتّى أنّ صديقاتها اعتبرن علاقتهما لن تنجح “من جهة أخرى كنت أسمع من صديقاتي الأخريات كلاما معاكسا عن مروان ، على  أنه شخص لا يلائمني، وأنني أكثر جنونا وعفوية منه، ولكنني كنت أشعر بأنني على سجيتي أمامه، كنت أشعر بأنني أنا، أشبه نفسي معه، و أنه وحده يشبهني. أحيانا أشعر بأنهن يغرن مني لهذا يرسمن صورة بشعة

عنه، وأحيانا أخرى أشعر بأنهن يحبني جدا ليخبرنني بشكل حقيقي عما يشعرن به اتجاهنا” ، ومن الأمور التي اختلفا عليها أنّه روتيني دائم بينما هي تبحث دائما عن التجديد بعد الروتين، واختلفا في صباحاتهما وطريقة شرب القهوة التي كان يُفضّل أن يشربها مع ذاته. واختلفا في طبيعة الهدية التي يقدمها لها فهي تقبل أن يهديها لوحة فنيّة وهو يصرّ على  اختيار مجوهرات لأنّها أسهل في الانتقال نظرًا لطبيعة عمله وعدم استقرارهما في مكان محدّد.

        حتّى في إنجاب الطّفل الذي قبلَ به لأجلها، مع قناعته بأنّ علاقتهما ما زالت غير مهيئة لاستقباله، وكان يغفو في أثناء حديثها ما يوحي بعدم اهتمامه ومبالاته، “كأنّ كلامي ليس مهمًّا أبدًا، وأنّني امرأة تافهة لا تملك سوى الكلام، فيتركني أتحدّث مع نفسي، وكأنّني لا أحتاج سوى أن أتحدّث”. فسابين تبحث عن علاقة أقوى تربط بينهما فمشاعر الحبّ وحدها لا تكفي، هي تعرف أنّها ما زالت تحبّه، ولا تشكّ في محبته، حتّى أنّها لا تشكّ في خيانته، وكم كان جميلًا هذا التّناص مع أغنية أم كلثوم “ثورة الشّك” ” أكاد أشكُّ في نفسي لأني أكادُ أشكُّ فيكَ وأنتَ منّي”، فسابين تردّد مقولة ” إذا أنا شككت بزوجي فذلك لأني أنا أشك بنفسي”.

        إنّها تبحث عن علاقة زوجية لا تقتصر على المشاركة في الفراش مائدة الطعام، فـ “الحياة الزوجية تعني أكثر من هذا”،إنّها تتوق إلى عودته من العمل لتكون لحظات يتشاركان فيها حياتهما معًا ، لكنّها باتت اليوم تتحدّث إلى رسوماتها أكثر مما يتحدّث معها. إذا سابين لم تكن تنشد حياة زوجيّة روتينية، هي تريد من هذه العلاقة أن تكون علاقة متينة قوية فيها من المشاركة التي تجعل من الطرفين شخصًا واحدًا، ومن الإشارات التي تدلّ على عدم اهتمامه أنّه لم يعد يخبرها عن وقت رجوعه، والمفارقة التي تصل إليها سابين، أنّها تحصل على مرادها بالطفل فيحدث الحمل بعد أن تكون قد بدأت التفكير بالانفصال، لإحساسها بتغير جذري عند زوجها. وإن وصلت سابين في نهاية رحلتها معه إلى تأكدّها من حبّه وعدم خيانته، لكنها لم تكن مخطئة بما يتعلّق بلا مبالاته، فهو اختار أن يبعدها عن حقيقة مرضه خوفًا عليها، وحماية لها، لكنّ سابين ليست مرآة قابلة للكسر، إنّها قادرة على مواجهة الألم، فالحياة الزوجيّة والحبّ عندها أعمق مما رآه مروان.

        نعم، قد يقول القارئ إنّ مروان إنسان محبّ يحفظ مشاعر حبيبته وزوجته، لكنّه أقصاها عن ألمه، أبعدها عن مشاعره، تحمّل سرّ مرضه وحيدًا، وسمح لأنثى أخرى وإن كانت ممرضة تؤدّي وظيفتها، أن تتشارك معه سرًّا مصيريًّا، ومنع ذلك عن سابين، وقد يكون هذا بنظر سابين الأنثى العاشقة أقسى من هجران الحبيب، الهجران المعنوي أقسى من الهجران الحقيقيّ. واللافت أن تنتهي القصة بملاحظة مروان في رسالته إلى سابين عن ما تركه لها من ماديّات وأموال، وهي قد خسرت في حياته الإحساس بالحبّ والسلام.

                تناجي سابين نفسها ” أحيانا تفاصيل كثيرة تعود إلى ذاكرتنا في لحظة منسية، تعيدنا إلى لحظات قد تقتل فينا الشعور فإما تحيي طقوس الأمس بفرح، أو تدمرنا كما دمرتنا لحظة حدوثها أول مرة”. ومن خلال ما جعلته سابين شريطًا لذكرياتها تذكر حكايات صديقاتها، اللواتي مثّلن نماذج مختلفة للصراع بين الأنوثة والذكورة. فصديقتها “ليزي” تفضل أن تعيش مع رجل تخدمه ولا تعود الى خدمة خمسة رجال في بيت أهلها، وأن تتحكّم بها أمّها فهي الآن تحت رحمة رجل واحد بينما في بيت أهلها ستكون تحت رحمة خمسة رجال،  فهي قد صارت مقيّدة بعد أن كانت حرّة في طفولتها “ليزي كانت حرّة، كنا نمارس الحياة بكلّ شغف، لنا مغامرات كثيرة … كلما كبرنا ازداد الخوف فينا”، رضيت بالزّواج ممن يحبّها ويريدها وإن لم تكن تحبّه.

أمّا سارة فقد تزوّجت واضطرت أن تعيش مع أهل زوجها في بداية حياتها الزوجيّة، لتعلق بعد ذلك بتربية ابنتها، وان تجعل حياتها لأجلها على الرّغم من متاعب حماتها، وأن تتحمّل المسؤولية بنفسها وتتحمل عبء تربية ابنتها، وأزمتها تكمن في حاجتها إلى أن يعرف زوجها أنّها بحاجة إلى رجل يشاركها معنى دمج الأمومة والأبوة، فهي تريده ان يشاركها الأحساس بابنتهم، “في البدء كان حنونًا جدًّا معنا، الآن تعوّدت أن أتحمل المسؤولية بنفسي، أن أرضع وأنيّم وأغير الحفضات، أن أحمل كلّ همها وحدي”.

وتتوالى حكايات الصديقات كأليسار وأمّها التي أحبّت رجلًا وتزوّجته، وكان زواجًا قلب حياتها ونقلها إلى واقع اجتماعيّ آخر. أو حكاية فتاة سكنت بقربهم، فأحبت ابن الجيران الذي سبق أن تحرّش بسابين، وتظهر هذه الحكاية الاختلاف بطبيعة التربيّة التي كوّنت شخصية سابين. وحكاية صديقتها التي رغبت في الهجرة من البلد وضياع الحلم بسبب عدم الحصول على الفيزا من دول عدّة في مقابل سهولة حصول سابين على الفيزا لأي بلد نظرًا لطبيعة عمل زوجها. هذه الحكايات كلّها جاءت في تيار الوعي عند سابين، فجاءت حبكة الأحداث متصلّة بطبيعة الصراع الذي قامت عليه الرّواية، وكانت صرخة داعية إلى فهم المرأة والتعامل مع أحاسيسها ومشاعرها وعدم إهمالها، ومن هنا نلاحظ تركيز الرّواية على قضية نسائيّة مهمة تتعلق بطبيعة الهرمونات وموعد الإباضة وتأثيرها على تصرّفات المرأة.

مع الإشارة بشكل سريع إلى معاناة تتعرّض لها النساء في هذا المجتمع الذّكروري وهو مقايضة نجاحها باستغلال جمالها وانوثتها، فالمجتمع الذّكوري يخاطب جسد المرأة لا عقلها وإبداعها “في نقاش لي مع صديق قريب يشبه الخيال أحيانًا، حين سألته أتظنّ بأنّني سأكون فنّانة لو أنّني لم أتزوج ولم أستطع الحصول على كلّ هذا الدّعم المادي؟ أجابني ببسمة، كنت ستجدين أحدًا آخر يدعمك، فأنت أنثى جميلة” . واللافت هو إحساس سابين بالصّدمة والاسترخا لهذا الموقف، فلديها أمل بالنجاح، فهل في ذلك موافقة من سابين/ الكاتبة على إستغلال الجمال؟؟؟!!! ( سؤال برسم القارئ)

وإذا كان الخط الساري في الرّواية يقوم على هذا الصراع الأنثوي مع الحياة بتشعبات مشاكلها، فإن الكاتبة عرجت إلى الإعلان عن رأيها بقضايا أخرى، منها ما كان له علاقة مباشرة بأحداث القصة، ومنها ما كان أقرب إلى إقحامه ويمكن الاستغناء عنه. فكان الحديث عن الإقامة بالسعودية وأبدت الكاتبة عبر بطلتها سابين، موقفها من العادات والتقاليد في ذلك البلد، وخصوصًا ما يتعلّق بلبس العباءة، كمظهر خارجي لا يدلّ على الحقيقة الدّاخليّة وأيضًا طبيعة التربيّة في هذا البلد، وميل النساء هناك إلى التسوّق وقضاء الوقت بين المجمعات(المول)، وقد يكون هذا العرض مسوّغًا كون البطلة قضت سنوات في السّعودية. وأيضًا ذكرت الكاتبة بعض العادات اليابانيّة وفتيات الغيشا في خلال إشارتها إلى تأثير الإباضة على النساء وطريقة اللباس الكاشفة عن مفاتنها فتكون إشارة من المرأة للرّجل بأنها صالحة للتلقيح في هذه الفترة، وبما أنّ المرأة في المجتمع العربي تخبئ هذا الجسد بأكثر كمية من الأقمشة وتكون مغطّاة فإنّها في كلّ الأوقات تكون بنظر المجتمع صالحة للتلقيح، مقاربة توصّلت إليها الكاتبة قد يخالفها الكثير فيها. وأيضًا أشارت الكاتبة إلى الطفل إيلان الذي قضى غرقًا في البحر وهو يبحث عن النجاة من الموت في بلاده، ولم أجد ضرورة في إقحام هذا الحدث في سياق شريط التّذكّر عند البطلة، وقد مهّدت له الكاتبة عن حكايات تمرّ كلّ صباح وربما تغيّرنا، لكن لم يتضّح كيف ترك هذا الموقف أثرًا في حياة سابين، إلّا إذا ربطناه برغبتها في الإنجاب.

الرواية بوح ذاتي تقوم على المناجاة(المنولوج الداخلي)، ومن الملاحظ لجوء السرد في الرّواية إلى طريقة الرّسائل، ومنها عرفنا بعض مجريات الأحداث، أمّا الحوار على قلّته فقد جاء أحيانًا كاشفًا للشّخصيات راسمًا ملامحها مصوّرًا واقعها النّفسي، وفي  أحيان أخرى كان أقرب إلى المباشرة، مع اعتماد العامية بأغلبه.

رواية مرايا الرحيل… هي أكثر من مرآة تعكس الصورة الحقيقيّة للمجتمع وللمرأة وللرجل، فاستخدام كلمة مرآة بالجمع له علامة سيميائيّة تُشير إلى الاضراب النفسي الذي تعانيه البطلة. وأهم ما يعكسه العنوان أنّنا أمام كاتبة تمتلك الحس المرهف واليراع المبدع والريشة المبتكرة التي ترسم ألوان الحياة.

 

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *