الجمعة 29 مارس, 2024

قصائد أفتراضية

دراسة حول ديوان الشاعر أمين ديب

قصائد أفتراضية

قلم : دينا خياط

dina-1القصيدةُ في تعريفها الكلاسيكي .. هي موضوع شعري مكوَّن من أبيات .. سواء قلَّت أو كثُرَت، وتتغيرُ خصائصُها الشكلّية مع تغيُّر العصور.. فتأخذُ شكلَ المربعات والمسدسات والموشحات .. لكنها لا تتغيرُ تغيُّرات كبيرة منذ أقدمِ نصوصِها المعروفة منذ ما يقارب الالفيّ عام، حيث يلتزم الشعراء فيها بعنصرين أساسيين هما : الوزن والقافية.

أما خصائصُها الموضوعية .. فقد تغيرت تبعاً للعصور المتتالية التي عاشَها الشاعرُ العربي، بدءاً بالعصر الجاهلي وحتى يومنا هذا .

في العصر الحديث .. مرَّت القصيدة العربية بعدد من التغيرات بدايةً بكسر القافية  على يد عدد من الشعراء العرب.. و في التسعينات ازداد بقوة وجود قصيدة النثر خصوصاً مع ظهور جيل جديد من الشعراء الشبان .. الذين ابتعدوا في شعرهم عن الهمِّ العام .. وكتبوا قصيدتَهم الخاصة معتمدينَ على التفاصيل اليومية والحياتية .. وهو ما لاقى نقداً شديداً من النقاد الكلاسيكين.

ولقصيدة النثر إيقاعها الخاص وموسيقاها الداخلية، والتي تعتمد على الألفاظ وتتابعها، والصور وتكاملها، والحالة العامة للقصيدة .. فكان الشعر الحر وهي طريقة من طرق التعبير عن نفسية الإنسان المعاصر، وقضاياه ونزعاته، وطموحه، وآماله .

وها نحن اليوم ، نتشارك وصديقنا الشاعر أمين الذيب فرحة إصدار ديوانه الجديد قصائد إفتراضية  الصادر عن دار أبعاد ..

أمين الذيب الشاعر اللبناني إبن كفرمتى .. صحافي وكاتب في الثقافة والسياسة والفكر .. عضو إتحاد الكُتّاب اللبنانيين منذ العام 1988 … وقد صدر له رواية ” قضبان نحو الحرية “.

 أمين الذيب إنسانٌ مؤمنٌ أن الحرية هي المحرّك الأول للفكر والتعبير وبالتالي للتفاعل …

قصائده لم تأتِ إفتراضية وإن حملَ ديوانَه هذا العنوان .. بل جاءت نتيجة نبضٍ وشعورٍ ، محاولاً أن يتجاوز في هذه القصائد المفاهيمَ السائدة على مستوى النص الشعري .. الهدف لديه كان ولا زال جعلُ القارئ يشعر بأنه جزءٌ لا يتجزأ مما يقرأ .. ليكون بحالة اندماج كاملة مع النص .

أمين الذيب، في ديوانه المحتفى به اليوم ، يحاول الشاعر رسمَ مسارِ جديد للقصيدة .. وكأنه كما لكلّ زمنٍ رجالُه .. فإنه لكلّ زمنٍ وجيلٍ قصيدتُه المُعبّرة عن حاله وعن مزاجه الفكري الحر ..

مفهوم العولمة قديمٌ قِدم التاريخ .. إذ لم يكن للعالم أي حدود.. إلا منذ فترة وجيزة فقط .. فقد كان العالم يُشرّع أبوابه للجميع .. لذلك صعدت الأمة في مطلع القرن العشرين من الناحيتين الثقافية والاقتصادية.

ومن هنا .. ومع إتساع أفق التواصل الإنساني والاجتماعي والثقافي .. جاء ديوان أمين الذيب “قصائد إفتراضية ” .. بلغ عددها 121 قصيدة نثرية وجدانية ووطنية ..

يبدأها بالأب لينهينها بالورود .. كأنما أرادها وروداً عابقة يختم بها ديوانه .. وكأنما به مجازياً يضعها على قبر الأحب إلى قلبه والذي كان سبب وجوده في هذه الحياة .

ما يلفتنا في بداية تصفحنا للديوان … هذا الإهداء ” إلى أبي ” ..الذي على الرغم من أنه عبارة عن كلمتين .. إلا أنه جاء مختصراً كل المشاعر .. وكأنما  إختصر به كل العناوين .. فأتت قصائده ما بعد الأولى ( المهداة إلى أبيه ) .. أتت دون عناوين كأنما لا عنوان أكبر وأهم من الأب الذي حمله الشاعر في قلبه وروحه ومن ثم نقله إلى إبنه فحفيده .. فكان الإهداء هو المثال بل هو القصيدة الأغلى التي تختزل كل العناوين التي يمكن أن يعنوّن بها كل قصيدة ..

وما يميّز هذه القصائد .. أنها تترك لكل قارئ فرضية اختيار عنوان للقصيدة النثرية .. فيترك الشاعر المجالَ للقارئ أن يشاركَه القصيدة بأن يتخيّل أو يحاول افتراض عنوان لها .. يتأتى من الحالة التي يتأثر بها لدى قراءة القصيدة حتى يشعر بأنه والشاعر في حالة اندماج .

فالأب حاضر بالقصيدة الأولى .. فهو البداية .. من الأرض فلاحٌ .. فتختلط المفردات بوجع : شجر\ سماء \ زيتون \ كروم \ واشتياقٌ لخبايا الدهر وألفُ شمسٍ أشرقت في وجه فلاحٍ كانت الأرض تحفته .

في الحب ، شاعرنا أمين الذيب .. عاشقٌ متيمٌ بسيدةِ عشقه الوحيدة .. القبلة تُذهلُ الروح .. وتتأرجح الحبيبة في نضارة قبلته .. تستنبط الحرف من شهوة الشفتين .. فهي وسيطٌ بين نبيّ وشقيّ .. وهو يطوي السراب .. يُراودُ خِدرَها منذ ما قبل الكتابة واليراع .. سيظلّ عاشقاً حتى يوم القيامة .. تراوده آلاف النساء وجسده اختصار الكون .. انصهار اللهب باللون … ووجهها مسرابً ضوء وجسدٌ من رخام يرسمها في مخيّلته …..

 والوطنُ له أرض وحبيبة .. لكنهم قتلوا شغفه بها يوماً عندما اغتالوا الوطن .. ما اضطره أن يتحوّل عن الحبيبة .. فصار عشقه بندقية ورداؤه عسكر .. والحزن خيلٌ وغيمٌ .. رائحة شوارع القدس القديمة ومنازل الفقراء .. وطنٌ تكاثف يوماً في يديه .. فاستحالت ريشَتُهُ حلماً تضَمّخ بالضباب …….

قصائد أمين الذيب في ديوانه قصائد افتراضية نثرية عبثية .. يُبدّل بها خطوط الكون والقياس .. يحاول ترتيب الزمان رغم جهله بالبدايات والكون في كفه لازوردٌ فيه تكعيب .. فاتساق الكون يرهقه ويجعله يسأم من رتابة الأرقام .. فيكتفي بالعشق في محاولةٍ منه لتجاوز اليقين …

أمين الذيب في ديوانه قصائد افتراضية يتساءل ماذا لو أضاع الله مفتاح الزمان .. وإن كان والحبيبة مسكونان في عدمٍ أو يسكنُ حزنَهم الفضي أوهام المكان ..

في الختام .. شاعرنا صوفيٌ يلتمسُ القمر .. قصائدُه بوحٌ يرتّلُ لسحر عينيها اشتياقاً .. يقطف لها فجراً نديّاً وصباحْ ..بعينيها يمحو بحور أحزانه .. ويعود طفلاً يُطرب الكونَ ثُغاه ..  لهفتُه إليها لهفةُ الصوفيِّ إلى اكتمال الوجد .. الحبُّ لديه كنبيٍّ مُنتَظَر.

* القيت هذه الدراسة في دار الندوة خلال توقيع ديوان (قصائد أفتراضية) للشاعر أمين الذيب .

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *