الجمعة 19 أبريل, 2024

قراءة في المجموعة “قرى الملول”

قراءة في المجموعة القصصية “قرى الملول”

بقلم: أيوب مرعي أبوزور

qra“قرى الملول” مجموعة قصصية متميزة للكاتب اللبناني سليمان جمعة، صدرت عام 2016 عن حركة الريف الثقافية، تحتوي على باقة متنوعة من القصص القصيرة والقصص القصيرة جدا. جاءت هذه المجموعة بعد ستة دواوين شعرية للكاتب، وهي باكورة أعماله القصصية.

بعدما حققت القصة القصيرة استقلالها عن سائر الأجناس الأدبية الأخرى، وتفردت بسمات خاصة بها، استطاعت بفضل لغة خطابها المنسجم مع عصرنا هذا، إن كان من حيث الحجم، قصرها مكنها من شق طريقها نحوصفحات المجلات والجرائد بشيء من السهولة، ومن جهة أخرى نرى أن قارئ اليوم يميل نحوالنصوص الأدبية القصيرة نسبيا التي تخاطب وجدانه وتمنحه المتعة والمعرفة الإنسانية لأي مستوى ثقافي انتمى.

تكونت “قرى الملول” من ثمانية وأربعين قصة؛ ثمانية وعشرون قصة قصيرة وعشرون قصة قصيرة جدا، وكل قصة منهم تحمل بين سطورها بذور الإبداع، وعطر الإنسانية، وألوان الطبيعة النابضة بالحياة، كونها بمعظمها دارت أحداثها في أحضان طبيعة القرية الجبلية اللبنانية.

لقد استطاع الكاتب برؤيته الثاقبة، المنطلقة من تآخيه مع الطبيعة وعلاقتها بالإنسان القروي، أن يخاطب في القارئ الوجدان الإنساني، والانتماء للأرض وتكامله معها، حيث ظهر لنا هذا التواصل بين الإنسان والأرض بوضوح في أكثر من مناسبة، وفي بعض الأحيان قارب الإندماج بها. كما نجح الكاتب أيضا في عملية التكثيف، فكان الهدف دائما واضحا لديه، فلم نشهد في أي من القصص حشوا ولا عبارات زائدة أوغير منسجمة؛ وكان الوصف لديه في خدمة الشخصية والحدث، وبعيدا كل البعد عن الزينة أوالوصف لمجرد الوصف؛ واختار مفرداته بدقة، حيث بدى سرده كالسهم المنطلق نحوقلب الهدف، وهذا ما جعل قصصه متناسقة ومتماسكة وفي أبهى حلة. لقد استطاع الكاتب أيضا أن يجعل قصصه تنبض بالحيوية والديناميكية، ونتج عن ذلك حركة دائمة تثير لدى القارئ اللهفة للآتي وحب الإستطلاع، وكان التشويق يزداد حينا، وحينا تخف حدته، لكن ناره لم تخمد مطلقا، مما جعل الإثارة مستمرة وحقق بذلك رضا القارئ.

عالج الكاتب في هذه المجموعة العديد من المواضيع الإنسانية، وفي مقدمتها قضية القدس والأراضي الفلسطينية المحتلة، والمقاومة فكرا ونهجا، والشهادة في سبيل الأرض، وتحدث عن الحب والحنين والفراق، كما تحدث عن الحرية والظلم والأسر، وكان للذكريات حصتها كما الأحلام، وغيرها من المواضيع التي اشتركت جميعها بارتباطها الوثيق مع طبيعة القرية اللبنانية، حيث تظهر معالم هذه الطبيعة في كل سطر وتتبلور أمامنا بمفردات مثل الحديقة، وأسماء الأشجار (توت، زيزفون، زيتون، سنديان، ملول، دردار، الخ…)،  الورود، التلال، السواقي، الحقول، الكروم، وغيرها الكثير من معالم قرى الملول، هذه البلدات اللبنانية الجنوبية المحاذية للأراضي الفلسطينية المحتلة كما صرح الكاتب في قصته (حذر نائم، صفحة 47)، التي اتخذها (أي قرى الملول) عنوانا لمجموعته لما تحمله من ارتباط وثيق مع غالبية القصص من جهة، ومع ما أظهره الغلاف من حيث اللوحة التي تصور مشهد نبع الماء وجرة الفخار بيد الشاب حيث كانت هذه هي حال قرانا في الأمس القريب. وبحكم تنوع المواضيع جاء التنوع في الشخصيات، ومن بينها فداء ابنة اللاجئة الفلسطينة، وأبوعامر المعتقل، وعشتار، وسامي والدرويش، ودنيا العاقر، والشهيدة أم محمد، وعائد ووالده وأبطال المقاومة، والطفل راني وجده، وغيرهم الكثير من الشخوص التي التقيناها بين دفتي هذه المجموعة.

تجلت براعة الكاتب بقدرته على تصوير الأحداث ورسم ملامح الحالة التي يتحدث عنها، وظهر ذلك جليا في طرق معالجته للمواضيع، التي عكست موهبته وثروته اللغوية وثقافته الواسعة وتمكنه من أدواته، حيث بدت الشخصيات بين يديه مفعمة بالحياة، والأحداث انسابت بسلاسة في زمكانها الذي أراده لها، ويرجع ذلك لوضوح الرؤية في ذهنه وتبلورها بأفضل السبل. وقد أجاد الكاتب أيضا في انتقاء الأساليب الفنية ودمجها مع بعض في كل قصة، فكان السرد لديه بمثابة النسيج من حيث الوصف والتصوير، وطرز الكاتب نسيجه ببراعة حرفي عتيق بالحوار حينا وحينا بالمونولوج، لينقل لنا الحدث بمهارة عالية ويجعلنا نشارك بأحاسيسنا في عالم القصة.

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *