السبت 20 أبريل, 2024

سينما في النبطية؟ مسرح؟..

«سينما في النبطية؟ مسرح؟.. وضحك الرجل»

يوسف رقة

811-1

يوم سألت صديقي الدكتور قاسم قاسم عن أحوال طلاب المسرح في «معهد الفنون»، أخبرني عن شاب لافت بين طلابه هو قاسم إسطنبولي، ومنذ ذلك الزمن بدأت أتابع أخباره ونشاطاته: يحمل الخشبة على كتفيه، ويدور متجولا وحيدا بين بلدة وأخرى، ليقول كلمته الممزوجة بسحر المسرح بين الهزل والجرح والكلمة المباشرة التي نصنفها عادة بكلمة: «الحكواتية».

هذا الشاب المتحمس تطلع الى الجنوب. قرر خوض التجربة في إحياء المسرح المتلاشي على المستوى العام المحلي والعربي والدولي. قرر الانطلاق من مدينة صور، مدينة هجرتها العروض المسرحية والسينمائية منذ زمن طويل؛ زمن الاحباطات الثقافية، زمن البحث عن لقمة العيش، زمن البحث عن مقومات الحياة، زمن التهديدات والاعتداءات والاطماع في منطقتنا واحتلال مساحة من أرضنا الجنوبية.. كان يعتقد بأن هذا الزمن قد ولّى إلى غير رجعة، وقد آن الآوان للنهضة الثقافية الشاملة بدءا من المسرح إلى السينما إلى الفنون كافة..

cdfe1fbb-9cf9-4378-8049-78b6f6b8aa9cهناك صالة للسينما في مدينة صور تحمل اسم «الحمراء»، وهي مهجورة منذ زمن، مقفلة، معتمة، أبوابها مظللة بخيوط العنكبوت.. بدأت الورشة، وافتتحت الصالة للمسرح.. شهدت مهرجانين للمسرح ومسابقات لأفضل العروض.. كان يستند في أعماله على إمكانات فردية متواضعة للغاية، إن لم نقل فقيرة إلى أقصى حدّ.. لكنه ثابر وعضّ على الجراح في غياب أي دعم كان من المتوقع حصوله. ليت الأمر اقتصر فقط على غياب الدعم، بل تعداه إلى إطلاق سلسلة من الإشاعات والأقاويل والإيحاءات التي تدعو إلى مقاطعة هذا المسرح والابتعاد عن حضوره أو حتى المرور أمام عتبته.

البيئة

ربما، لم يراعِ الإسطنبولي البيئة المحيطة في مكان العرض. بيانات تنتقد المصارف الموجودة في صور لأنها لا تقدم الدعم المالي لمشروعه، وكأن النهوض بالمسرح والثقافة والفن هو من مهام جمعية المصارف. ربما لم يجد الجرأة اللازمة ليقول الأمور كما هي. ربما حاول أن يتجنب الحديث عن غياب الدعم الرسمي وغياب فعاليات المنطقة الثقافية عن هذا الحدث لسبب أو لآخر والله أعلم.. لم يراعِ، البيئة السياسية ـ مهرجان للمسرح تكريما للمسرحي ريمون جبارة ـ لم يحسن الاختيار بنظر البعض الذين يمزجون بين ريمون جبارة المبدع المسرحي وبين مواقفه السياسية التي كانت معادية للخط البيئي الموجود في الجنوب. الفرحة لم تكتمل. ها هو صاحب ومالك صالة «سينما الحمراء» يرفض اليوم تجديد عقد الاستثمار لمسرح الاسطنبولي. أبلغهم أنه يريد استثمارها لمصالحه الشخصية كصالة للسينما. رضخوا لطلبه المحق شرعا وقانونا. لكل إنسان حريته بملكه ورزقه. لكنهم صدموا لأن صاحبها أقفلها ولم يستخدمها لخدمة السينما أو المسرح… يتساءل البعض: هل من إيحاءات سياسية وراء هذا الاقفال؟ والجواب على ذلك من أحد المسؤولين المعنيين في الثقافة في صور الذي قال: وهل تعتقد يا صديقي بأن المسرح لا يزال يلعب دورا هاما في تغيير المجتمع؟ ربما صديقي على حق، هناك «تسطيح» كل شيء. تسخيف للمسرح والفن والثقافة. وبات الزمن يعود بنا إلى الوراء، يوم كان ينعت المسرحي بعبارة «مشخصاتي» أو «كراكوز»، أو كما قال أحد عمداء الجامعة اللبنانية في معهد الفنون منذ زمن قديم «حرام خللي طلاب المسرح يتسلوا». لم يرضَ إسطنبولي للمسرح أن «يندعس» في الجنوب أو في لبنان، لم يرضَ الاستسلام أو الانكسار، ها هو ينهض من جديد… إلى النبطية درّ.. صالة للسينما تحمل اسم «ستارز» في المدينة. كانت مهملة ومقفلة منذ عقود، عمل على إعادة تأهيلها، وأعلن موعد الافتتاح السبت في 20 آب الحالي مع مهرجان دولي ومسابقة للمسرح..

النبطية

توجهنا إلى النبطية. لا نعرف المكان، نسأل لنستدل: اين هي سينما «ستارز»؟ يرد أحدهم: سينما في النبطية؟ يوجد صالتان للسينما ولكنهما مقفلتان منذ زمن بعيد.. قلنا له: هي سينما ولكن قاسم اسطنبولي قرر تحويلها الى مسرح. ضحك الرجل وردّد: ماذا تقولون؟ مسرح؟ مسرح من غير علمنا؟ المسرح لا يُقام هنا إلا في شهر محرم. نعم، أهم مسرح في لبنان هو الذي يُقام في مدينة النبطية حيث تجسد السيرة الحسينية في احتفال طقسي ضخم يحضره مئات الآلاف من سائر المناطق اللبنانية ويشارك في أداء هذه السيرة ممثلون من مختلف المذاهب والطوائف اللبنانية. المسرح يوحدهم في هذا اليوم، يجمعهم تحت سقف الثورة الحسينية وآلامها وتضحياتها وعبرها.. وحسام الصباح هو المخرج لـ «الفلة الكربلائية» في العاشر من محرم في النبطية.. وسررنا لأنه سيكون اليوم أيضا في عداد اللجنة التحكيمية لمهرجان المسرح في النبطية.

وصلنا الى باحة الافتتاح، استقبلتنا المخرجة الإسبانية أنا سندريرو ألفرس والدكتورة وطفاء حمادة أستاذة المسرح في الجامعة اللبنانية التي أبلغتنا انها ابنة النبطية وستدعم قيامة المسرح بكل إيمانها.. بدأ الاحتفال، امتط الاسطنبولي الشريط الاحمر حاملا معه المقص ليتشارك الافتتاح مع وزير الثقافة الذي انتدب ليمثله مدير عام وزارة الثقافة الذي انتدب بدوره ممثلة عنه هي السيدة إفراد الحاج، وحضر الافتتاح الملحق الثقافي الفرنسي والملحق الثقافي الإيطالي وغاب عنه نواب وفعاليات المنطقة.

لم يعتب الاسطنبولي على أحد من الرسميين، عتبه الوحيد على النخب المسرحية التي غاب معظمها عن هذه الاحتفالية التي ستتوج بمنح «جائزة حسن كامل الصباح» لأفضل عمل متكامل والذي سوف تعلنه اللجنة التحكيمية المؤلفة من: المخرج العراقي كاظم النصار والمخرج رعد سعيد من كوردستان والدكتورة وطفى حمادة من لبنان والمخرجة الاسبانية أنا سندريرو ألفرس والمخرج حسام الصباح والمسرحية وفاء شرارة اللذين غابا عن الحضور.

رواد

يهمس لي اسطنبولي: «ربما يعتقد رواد المسرح في بيروت أننا متخلفون وجهلة وأننا لا نستحق أن ننشئ مسرحا في الجنوب». يضيف: «وزارة الثقافة دعمتنا بطباعة الملصقات وهي تستعجلنا التوقيع على المستندات وإلا؟؟؟، كتر خيرها، إدارة حصر التبغ والتنباك دعمتنا بتقديم تذاكر السفر للوافدين الأجانب، ولم نتلق الدعم سوى من بلدية النبطية ووعد من أحد المصارف بمنحنا قرضا لم نحصل عليه بعد». بدأ الاحتفال. لم تحضر فرق الدبكة ولم يحصل كرنفال الشارع إلا بعد انتهاء الاحتفال.. وحده الرجل الخشبي حضر على عكازته الطويلة، لكنه حضر متأخرا. لم يبقَ في الساحة إلا «حديدان» قام بجولته التفقدية لباحة مدخل المسرح الذي بات محاطا بالأبنية السكنية من كل حدب وصوب، ثم لجأ إلى حافة إسمنتية يحمل مقص الافتتاح عينه، ليفك قدميه الملتصقتين بتلك العكازة الخشبية.. خشبته كانت للترفيه، وفي صالة عرض مسرح «ستارز» أيضا خشبة مماثلة، أعلنت منذ قليل ولادتها عبر ثلاث دقات من عكازة الأسطنبولي للمسرح. الولادة قيصرية والمخاض عسير.

كلمة أخيرة، قاعة مسرح ستارز، قاعة فخمة، تنزل أدراجها وكأنك تدخل إلى متحف أثري، هي غير مؤهلة بالكامل وتحتاج إلى كثير من المستلزمات (إضاءة، مكيفات وستائر) وهي تحتاج إلى احتضان كبير من الفعاليات الثقافية، قاعة أقترحُ إدراجها على لائحة الأمم المتحدة للتراث الوطني .

نشر هذا المقال في جريدة السفير بتاريخ 2016-08-24 على الصفحة رقم 10 – ثقافة

مقالات ذات صله

1 تعليقات

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *