الخميس 28 مارس, 2024

الطريق الصعب والتبعات الأصعب

“صباح الخير ايها المهندسون”:

الطريق الصعب والتبعات الأصعب

زينب سعيد

“آكتب بدمك وستعلم حينها أن الدم روح”

نيتشه

حينما تكون التجربة عصيبة يكون تحربرها في وجه البياض روحاً تمشي بتوأدة للحياة.

هي كذلك سيرة ماوريسيو بيني المعنونة ب “صباح الخير آيها المهندس” الصادرة عن دار Level 82 Publishing بباسانو ديل كرابا 2019.

في هذه السيرة يحكي الكاتب عن سنوات الحرب والجفاء التي هبت ريحها هنا في إيطاليا في الأمس القريب؛ ريح حصدت الأرواح والأمن والسلام، وشرعت الأبواب للفقر والجوع، وجعلت العامة والخاصة يلوذون إلى الهجرة بحثا عن حياة آفضل.

يقول الكاتب صفحة 66 : “كانت الوعود في مهدها منذ نهاية الحرب. وكانت الحياة العادية كلها مشاكل ترخي سدولها على الكل: تكاليف الحياة في ازدياد مضطرد، وإمكانيات الحصول على راتب في انخفاض متزايد. ملايين الأشخاص دون عمل؛ وإمكانية إخراج ايطاليا من هذا الوضع الصعب أمر عسير. طرقت الحكومة حينها أبواب البلدان المحتاجة الى اليد العاملة: فقد توفر الهجرة النازحة للأفراد مصدراً لدعم وانطلاق الاقتصاد الوطني بإعادة تنظيمه. كانت آول اتفاقية تجارية تسهل عمل الإيطاليين في الخارج قد تم توقيعها بين إيطاليا وبلجيكا في ماي 1946 لتعقبها أخرى بين إيطاليا وسويسرا سنة 1948 ومع ألمانيا سنة 1955”

هكذا عادة يكون مشروع إقرار الهجرة؛ وضع صعب يعقبه الإعداد للرحيل ثم النزوح. فلا أحد يختار مشيئته ولا وطنه؛ لا أحد  يختار وضعه. تقرير الهجرة يكون مدفوعا بالظروف وتغذيه حكايات الأقارب والأصدقاء الذين هاجروا قبلا.

يقول الكاتب صفحة 74: “عاد ابن خال أمي جوفاني إلى رونتزانو سنة 1961 لقضاء عطلة عيد ميلاد المسيح، كان يعيش في سويسرا منذ زمن بعيد. كلمة تمهد الطريق لاخرى: بذرة في الأرض، وفكرة تطفوا إلى السطح، تنبت وتزهر. بعد أشهر قليلة من زيارته يحصل أبي على عقد عمل… إلا أن من رآى ليس حتما كمن سمع، تجرية الاغتراب تفتح للمُهاجر عوالم لم يكن يعرفها، حياة في الهامش، وعلاقات لا تتعدى سقف المهاجرين والمحرومين مثلهم. فمن يحمل حياته على كتفه ويترك العائلة وراء ظهره والذكريات، يترك الطفولة والعادات، يفتح جرحه للحرمان والعمل المتواصل كثمن لاغتراابه، ويطأطىء رآسه للصور النمطية التي قد تقف في طريقه ويواصل”.

ويقول الكاتب صفحة 113: “اصطدمت آحلامي النائمة مع الواقع المر حينما علمت آنه ممنوع على الشابات السويسريات إنشاء علاقة صداقة مع الشباب الإيطالي، لأنه كان شائعا أن هؤلاء الشباب غير جديين في حالات بعينها ومن المحبذ تجنبهم”.

قصة ماوديسيو ”صباح الخير أيها المهندس“ تصلح أن تكون قصة أي واحد منّا، آو قصة كل واحد منّا. فقرار الهجرة يكون دافعه اقتصادياً أو سياسياً أو آمنياً… ويكون طريقه صعب وتبعاته أصعب. ما آقرب اليوم من الأمس، فقد أصبحت إيطاليا اليوم وجهة للمهاجرين الفارين من ويلات الحرب والفقر والقهر، منهم من يبحث عن سماء آمنة، ومنهم من يبحث عن مستقبل آمن، ومنهم من يعبد الطريق ليصير يوماً مهندساً. فهل من مذكر.

 

 

 

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *